وهل هذا عذر ينهض للأصغار من روائع الشعر العربي والأوروبي التي خلقت في مناسبات عامة لا تعني الشاعر وحده؟! أن مثل هذا النقد لن يقبله أي أديب مستقل، خصوصاً وهو نقد مبهم لا تعززه الشواهد، ولا أعرف شيئاً يسيء إلى النقد أكثر من هذه البراعة في الإبهام، ومن هذه الأحكام التي لا (حيثيات) لها. . . .
إني لم أقطع على ناقدي الطريق حين أشرت إلى ضرورة التجاوب بين الناقد والشاعر حتى يجيء النقد تفسيراً أدبياً صادقاً للشعر، لأني لا أفهم من النقد أن يكون لوناً من ألوان النفور أو التحامل. وقد آخذني على إشارتي إلى أنه ليس محتوماً على غير مريدي أن يطلعوا على شعري حتى أكون معرضاً لمؤاخذتهم اياي، متوهماً أني بذلك أصد الناقدين عن شعري أو أنعالي عليهم. والواقع انه لا يوجد أديب معاصر شجع النقد الأدبي واحترمه أكثر مما شجعته، ولدى صديقي الألمعي صاحب مجلة (الرسالة) آخر مثل يعرفه عن ذلك، فليطمئن بال الأديب المرتيني، وليثق بأن كلمتي هذه ليست موجهة إلى أمثاله من أفاضل النقاد، وإنما وجهتها إلى جيش من المتطفلين على الأدب الذين ينالون ما ينالون من تشجيع في الصحف العامة ولا يتورعون عن أن يقولوا مثل هذا القول:(إن شعر فلان يحصب وجوهنا) فليت القدر يخرسه مادمنا عاجزين عن ذلك، وهذا بلا نزاع إسفاف في النقد) ولكن له سوقه النافقة، فكلمتي المنطقية الهادئة الموجهة إلى هؤلاء الكرام لا غبار عليها.
وتحدث ناقدي الفاضل عن ميولي المتباينة، ولست أرى تبايناً بينها، مادامت نفسي تؤلف منها وحدة فنية، ولكل نفس طبيعتها واستعدادها، كما أني لست فذاً في هذا: فهناك شواهد كثيرة على تنوع الميول عند أعلام الفكر والأدب في الشرق والغرب، ولم يكن هذا التنوع مؤدياً إلى العجز أو التقصير الفني، بل كان شاحذ للمواهب الفنية، دافعاً إلى الإنتاج الناضج الوفير.
وادعى سامحه الله أني مجدد ملتوي التجديد، وأني قد وقفت نفسي على أدب الغرب، وأني أحاول في عمري أن أضع لنفسي مزاجاً خاصاً، وأني أتمثل لقارئي فيكاد ينفر مني لضعفي في التعبير وتقصيري في التصوير وفقري في التفكير. . .
ومثل هذا الانتقاص الذي يقال جزافاً أمره سهل لدى كل من يطاوعه قلمه على تحبيره، ولكن الناقد المنصف المدقق يقر بشغفي العظيم بالأدب العربي وخدمتي إياه، وأن عنايتي