مؤلف كتاب (يقظة العرب) عالم بحاثة بفطرته، لا يؤخذ بالظواهر فيعود إلى البواطن، ولا تجذبه الفروع في الشجرة، ولا الجذور المطمورة في التربة، بل يرضيه أن يفتش عن مصادر غذاء تلك الجذور وأنواعها ليعلم الدواعي الباعثة على تلك التغذية والغاية المرومة منها.
نعلم (كلنا) أبناء هذا الجيل أن العامل الأكبر في يقظتنا يعود كما قلت إلى عام ١٩٠٨ وعندنا على هذا العلم شبه ادله استوحيناها من استقراء عقلية إبائنا ومن بلغ وعيهم القومي وإحساسهم بالوطنية العربية، ولكن المؤلف البحاثة قد عاد بنا إلى البذور الأولى، إلى الفواصل بين الدعوة إلى العروبة والدعوة إلى الإسلام والصلة الروحية بينهما، ثم إلى الفتح العثماني.
للحكم العثماني آثار واضحة المعالم في نفوس العرب، لم يكتف المؤلف بتقصيها في عهد السلطان عبد الحميد، وهي جامعة للأسباب الشاملة للنتائج التي قلبت الأوضاع العربية، من مطالبته بالإصلاح في ظل الحكم العثماني، إلى العمل سرا على الانفصال عن الترك، إلى العوامل التي دفعت بجماعة (الاتحاد والترقي) الذين خلعوا السلطان عبد الحميد الطاغية ليقيموا أنفسهم طغاة مثله، فكانت هي نفسها عوامل فعالة دفعت الأمة العربية إلى عمل إيجابي وهو بناء دولة عربية لحما ودما. أقول: لم يكتف المؤلف بهذا، بل عاد بنا القهقري إلى عهد محمد علي وفتح الشام على يده، وشروعه في تشييد مملكة عريقة، واختلاف ابنه إبراهيم معه في الرأي، لأن الأول كان في طبيعته خلاقا للممالك، بينما كان الثاني يعمل على الاحتفاظ بتلك الممالك، وإن الأول كان يرى أن العرب ليسوا أهلاً لحكم أنفسهم، بينما كان الثاني يعتقد عكس رأي أبيه، ولم ينس المؤلف موقف الإنجليز من محمد علي وصدهم إياه عن تأليف المملكة العربية، وقد خلص من هذا البيان المقتضب إلى ذكر تأليف جمعية أدبية في بيروت قبل مستهل هذا القرن، كان النصارى هم القائمين بها، فما لبثت أن دخلها المسلمون والدروز، ويقول إنها كانت البذرة الأولى لنهضة الفكر القومي ويسهب في وصف الإرساليات ونشرها المعارف، وتزاحم أقطابها وتنافسهم في تعليم أبناء البلاد علومهم، وكيف لم تكن تعاليمهم خيرا محضا، وكيف تولدت الطائفية عند أبناء البلاد من جراء هاتيك التعاليم المتضاربة والأسباب والغايات. يمضي المؤلف البارع في سبيله يتتبع