والمرءوسين يحصون على ناظرهم كل صغيرة وكبيرة، حتى إذا جد الجد وجاء دور التحقيق بينهم أبرزوا ما حوته مذكراتهم من حركات الناظر ومخالفاته شهوراً طويلة. فهل في جو مثل هذا الجو يمكن أن يطمئن والد على تربية ابنه وتثقيفه وتنشئته تنشئة خلقية فاضلة!
ظهر ضعف الثقة بين الرؤساء والمرؤوسين في قانون نظام المدارس العتيق المعمول به من قديم الزمن في مواضع عدة نذكر منها على سبيل المثال تحريمه على ناظر المدرسة أن يكاتب أية مصلحة أخرى إلا عن طريق الوزارة، فكان ناظر المدرسة بالفيوم مثلا الذي يرغب في مكاتبة مجلسها البلدي لزيارة التلاميذ وابور المياه أو وابور الثلج لا يمكن أن يفعل ذلك رسمياً إلا إذا كتب للوزارة بذلك، وهي في دورها تخاطب بلدية الفيوم. وناظر مدرسة قنا الذي يرغب في زيارة تلاميذه آثار الأقصر لا يستطيع ذلك إلا عن طريق الوزارة وهكذا. كذلك كان يحرم القانون على ناظر المدرسة تناول المدرسة طعام الغداء بين تلاميذه بالمدرسة من نفس الأصناف وبنفس الكميات التي يأكلونها حتى ولو كان ذلك على نفقته الخاصة حسب التعريفة المقررة، وذلك مخافة أن يحابيه طباخ المدرسة فيما يأكله من الطعام. في حين أن القانون إلى جانب ذلك يحرم على الناظر في موضع آخر مغادرة المدرسة أو تركها في أية لحظة من لحظات اليوم المدرسي لأي سبب من الأسباب حتى ولو كان لتناول طعام الغداء
وفي قانون نظام المدارس مادة أخرى تحرم على المدرس أن يعطي درساً خاصاً لتلميذ عنده في الفصل حتى ولو كان هذا التلميذ داخلاً في امتحان عام كامتحان البكالوريا أو الابتدائية بعيداً عن مدرسته وأساتذته. فإذا علمت أن هذا المدرس هو أعرف الناس بمواضع ضعف هذا التلميذ وهو أعلم طبيب بالطرق الناجعة لعلاجه لاتصاله المباشر به وإشرافه اليومي عليه وعلمه بعقليته وتعرفه لأسباب ضعفه تبينت مقدار تعنت المشرع في ذلك ومقدار عدم ثقته بالمدرس. لأن الذين نشأوا على هذا التشريع وقتلوه بحثا ًيعللون ذلك بأن المدرس ربما يتأثر بالعلاقة الجديدة التي تنشأ بينه وبين هذا التلميذ إذا سمح بإعطائه درساً خاصاً فيحابيه في أثناء الدرس العام أو يعمل على نجاحه آخر العام الدراسي إن كان ممن يمتحنون بالمدرسة، هذا بالرغم من أن أوراق امتحان النقل جميعها توضع عليها أرقام