للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

علم الحرية وعلم الطغيان!

علم الدفاع وعلم الفتوح والغارات

وأي العلمين ارتفع في تلك المعركة ففيه مصير عالمين وخافقين ومشرقين، وفيه ابتداء زمان وانتهاء زمان

وتلك تلك المعركة التي انقطعنا عن أخبارها ليلة وطرفاً من نهار. ثم بلغنا الشلال، فعلمنا أننا سنقضي في الباخرة نيفاً وأربعين ساعة، لا نحن بالعالم متصلون، ولا العالم بنا متصل، حتى تستأنف الصلة به عند تخوم السودان

نيف وأربعون ساعة بغير أخبار!

وفي الباخرة مع ذلك طائفة من رجال الصحافة ورجال الأعمال تعودوا عشرين سنة على الأقل ألا تنقضي عليهم أربعون دقيقة بغير خبر جديد، عن أمور بالغ ما بلغ شأنها فهي من سفساف الحديث إلى جانب الحديث عن العلمين

فمن لم يتعلم الزجر والعيافة في تلك الليالي المحجبات فما هو متعلم، وقد تعلمناهما فأحسنَّا العلم بهما من درس واحد لم تسبقه دروس. . .

أقبل الليل فألقت الباخرة مراسيها عند الشاطئ إلى الصباح.

وخرجنا من المقاصير نتنسم الهواء جادين ونتنسم الأخبار متفكهين، وذهب كل منا يسأل صاحبه مازحاً: ما أحدث أنباء المساء؟ فيجيبه: أي مساء؟ الجمعة أو الخميس أو الأربعاء فكل أخبار هذه الأيام سواء

وإنّا لكذلك إذ انحدر أمامنا مركب سريع موقر بالأبقار السمان. . .

فصاح صائح: بشارة خير!

وصاح ثان: نعم، وأي خبر! فهي أبقار لا تذهب إلى مصر لتموين الأستاذ روميل وأصحابه بطبيعة الحال!. . . ولا تصل إلى القاهرة قبل ثلاثة أيام. .

وانطلقت الفكاهة والجد أي منطلق في ذيول هذه العجماوات؛ فمن قائل: إنها تكلمت وسكت الناس؛ ومن قائل: إن بقرات يوسف عليه السلام كانت سبعاً وكانت في المنام، وهذه سبعون وفوق السبعين تراها في اليقظة رأى العين. أحسن البشارة وما أصدق التعبير!

وكان صاحب القدح المعلى في تلك العيافات والتعبيرات طبيباً لوذعياً يسخر من الخرافات

<<  <  ج:
ص:  >  >>