فترة طويلة كان العريان فيها يكتب تاريخ الرافعي، على أنني كنت أرقب حلول مفتتح هذا العام لأقرأ مقالات الأدباء بمناسبة مرور عام على وفاته، فظفرت في الرسالة بمقالة عنوانها (بين الرافعي والعقاد) للأستاذ سيد قطب فالتهمتها التهاماً؛ ثم عدت مرة أخرى أروي تأملاتي فيها فلذ لي من الأستاذ أدبه وذكاؤه وصراحة ضميره، وتمنيت أن لو ضم إلي ذلك حسن المواجهة ولين المجابهة تجاه أخيه الأديب الذي هو شريكه في الشعور والفكرة والقلم. وأخذت أفكر في حسن هذه المواجهة وكيف يجب أن تكون؛ وقلت ما كان ضره لو قال قولاً أرق وأحسن وأدعى لحرية النزاهة: يا ليته ويا ليته. . . وأستميح الأستاذ أني كنت أخذت عليه ما كتب كما أخذت على الأستاذ محمود محمد شاكر ما أملاه في الرد أيضاً، ولكنه معذور بعض العذر لأن الجروح قصاص. ولو كتب الأستاذ شاكر رداً جميلاً أرق مما كتب فهل كان الأستاذ قطب يستمر ويزداد في غلوائه يا ترى؟ ولا أدري هل يحجني الأستاذ شاكر بأن الأستاذ قطب قد شن الغارة دفعة وغلا ثم غلا وتحدى أصدقاء الرافعي فكان لزاماً أن تحفظ كرامة الرجال وكرامة الشعور فرددنا عليه بما يلائم المقام؟
وهنا يجدر بي أن أذكر ما كان وقر في نفسي اتجاه أستاذي الكبير (الزيات) حفظه الله عند ما كتب الأستاذ قطب حديثه هذا. . . ليغفر لي سوء ظني على رغم أن لي مندوحة عن هذا الغفران بالتوبة المستورة، ولكن الأديب يلذ له إظهار ما يخفيه الناس. قلت في نفسي كان يحسن بأستاذنا أن يعتذر من نشر مقال الأستاذ قطب أو يكتب له كلمة على الأقل في هذا المعنى ويبين له فيها وجه الأحجية وحسن الاختيار في العدول عن هذه الخطة لا حباً للرافعي، ولا بغضاً للأستاذ قطب، بل تحرياً للأولى واحتياطاً لما سينجم عن ذلك كله. ولما صدر العدد ٢٥٣ والعدد ٢٥٤ وقرأت مقالي الأستاذ الزيات عن الرافعي أخذتني - والله - هزة الطرب ونشوة الأدب لما فيهما من الصفاء النقدي النزيه الذي لا تشوبه ثورة ولا تخالطه كدرة، حتى لكأن هذين المقالين صورة روحية للرافعي لو صبتا في قالب الحياة لكانتا هما الرافعي نفسه. ولا تؤاخذني يا صاحب الرسالة فيما رميتك من سوء الظن. وما كنت أدري أن سماءك الصافية ستغدق وابلا من الخير والجمال والحياة تعلمنا فيه - معاشر المتأدبين - كيف نرتع في رياض الأدب الجميل الذي لا تصلح له إلا ملائكة السماء أو