في هذا العمل زوجته (ليدي باريت). وكتب أيضاً إلى أصدقائه من أطباء المستشفيات في عدد كبير من مدن العالم راجياً موافاته بوصف ما قد يعرض لهم في هذا الأمر. وبذا تم له جمع عدد كبير من تلك الحالات، رتبها وبوبها، وقدمها لجمعية البحوث الروحية بلندن ثم أذاعها على ملأ القارئين في هذا الكتاب.
في الكتاب وصف دقيق لكل حالة، وبه الأسماء والأمكنة مذكورة، وكذا الزمن باليوم والساعة والدقيقة. أما المحتضر فقد يكون رجلا أو أمرأة، شيخاً أو شاباً أو طفلاً، وقد يكون إنجليزياً أو أوربياً أو أمريكياً أو هندياً أو زنجياً، وهو في أكثر الحالات يعاني آلاماً جساماً، ووجهه متجهم، فإذا به ينسى ألمه برهة، ويتهلل وجهه ويقول:(ماذا أرى؟ هذا أنت يا فلان. لقد جئت لتستصحبني. . .) أو نحو ذلك من الكلام.
ولكن لو اقتصر الأمر على مثل هذا لما كان له كبير وزن من الوجهة العلمية، إذ من الممكن القول بأن المريض وقد برحت به العلة، وتسممت أعصابه، واضطربت دورة الدم في مخه، قد اختلط عقله ولم يعد يفرق بين الحقيقة والخيال، وصار سواء عنده الشعور الذي يصل إلى مخه بالطريق المعتاد من الخارج والشعور الذي ينبعث من عقله الباطن، فالذكريات القديمة تتمثل له في شكل حقائق راهنة مصطبغة بالمشاعر المستولية عليه، فهو من هذه الوجهة كالنائم إذ يحلم بالفكرة كأنها شيء محسوس. ولكن الكتاب لا يحوي هذا الضرب من الحالات فقط، بل به مجموعة أخرى هي بيت القصيد، وهي النقطة الدقيقة حقاً التي عندها يرغم الإنسان على التفكير الجدي في أن كلام المحتضر لا يمكن أن يكون محض هذيان.
في الكتاب حالات هتف فيها المحتضر باسم شخص مات ولم يكن المحتضر يعرف إن ذلك الشخص قد مات، فكان يبدو عليه التعجب لوجود ذلك الشخص بين (الأموات) مع أنه - في زعمه - بين الأحياء. يكون المحتضر مثلاً قد دخل مستشفى منذ شهر أو أكثر، وفي تلك الأثناء توفي فجأة واحد من أقربائه، فكتم الأهل والأطباء عنه الخبر حتى لا تسوء حاله الصحية بتأثير الصدمة والحزن، فتأتي ساعة احتضاره فإذا به يحدث بعض الذين ماتوا من قبل، وبينا هو يحدثهم إذا به يقول مندهشاً (ما هذا؟ أهذا أنت يا فلان؟! وما الذي جاء بك مع هؤلاء، وكان يجب أن تكون في جهة كذا الآن؟. . .) ثم ينظر إلى الحاضرين