والصفاء، تحسن المتعة وتطيب المسرة ويلذ الأنس، بل هنالك وحده يصفو العيش، وتسعد الحياة ويحلو المقام. .
وكأني بك وقد جلست عند الأصيل فوق ربوة عالية تسرح الناظر وتمتع الخاطر بمشهد الغزالة عند الغروب، وهي تستل أشعتها الشاحبة من أحضان الوادي الكئيب بعد أن زفت إليه تحية الوداع، وبعدما ألقت عليه نظرة ساجية تفيض بالألم الممض والحزن العميق. أو نهضت من فارشك مبكراً فألفيت الشمس تهبط من خدرها باسمة مشرقة تشيع الحرارة وتنشر الضياء، وتبعث الحياة في جوف ذلك المهمة القفر، وبين جوانب الطبيعة الصامتة، فيستيقظ الطير من سباته الطويل ويصدح بأغاريد الصباح بنغمة سحرية أخاذة وصوت عذب حنون. وهنالك حول الينبوع النمير وبين مدارج السبل ترى فتيات البدو السذج في ثياب فضفاضة وقد بدون سافرات الوجه في صورة مليحة تسحر اللب وتستهوي القلب، لم تعبث بها يد الحضارة الفاسدة، ولما تنل منها مظاهر التجمل الخادع والتكلف المزري الشائن، خرجن يردن الماء وبأيديهن الجرار وهن ينشدن نشيداً يدوياً ساذجاً في لفظه حلواً في معناه، فتمتزج تلك الأغاريد العذبة بهاته الأناشيد السحرية فتتولد منها نغمة قوية مشجية هي كل ما في تلك الطبيعة الجافة الغليظة من موسيقى رائعة، وصوت رخيم. في المساء، وما أسعد سويعات المساء في ليالي القمر البيضاء، إنها والله داعية أنس ومسرح لبانة، ومذادهم، ومعهد سرور. وما أجمل تلك السويعات التي تنفقها في السمر مع بدوي ساذج وديع، يجلس معك ويسمع منك، ويتحدث إليك بأحاديث ممتعة خالية من الحقد والحسد والنميمة. أو تلك التي ترتاد فيها مواطن الرقص في سبيل لذة بريئة، ووراء متعة طاهرة، حيث ترى الفتيان يصفقون والفتيات يغردن، والكل يقف في حركة مستديرة ومن بينهم الراقصة النحريرة، ترقص على توقيع الدف ونغمات العزف، وتتمايل في حركات ريفية واهتزازات بدوية تستلهمها من فن الطبيعة، وتستوحيها من جمال الطبيعة، ولكنها مع سذاجتها وبساطتها بديعة، لأنها صدرت عنها عفو الخواطر، وبدرت منها دون تكلف في الظاهر، وقد يستمر هذا الأنس حتى مغيب القمر ومطلع السحر، وفي النهار تشغل الوقت في عملية الدفن، وماذا عسى أن تكون عملية الدفن هذه؟ وهل هي نوع من أنواع التسلية أو وسيلة من وسائل المعالجة، أو ضرب من ضروب الرياضة؟ وهل اتخذت المعالجة