بالقبر طريقة للحياة؟ وليس بعجيب أن تنشأ من القبر الحياة كما قد يطغى على الحياة القبر.
إن عملية الدفن هذه ضرورية للقعب ضرورة (الحمام) للمصيف و (الدفء) للمشتى. ولا أعدو الحقيقة إن قلت إن قلت إن أثرها في جلب المنفعة ودفع الداء أبعد من ذلك وأسمى: فهي بمثابة العلاج الناجع والدواء الوحيد لشتى الأمراض التي استعصى علاجها بالعقاقير والأدوية المختلفة. وكم من مريض لصب جلده من الهزال، وارتهكت مفاصله من الإعياء، وطحطته العلل والسقام، وكان إلى الموت أقرب منه إلى الحياة، جاء إلى القعب ومكث به قليلاً فاستحال هزاله سمناً وضعفه قوة، وتجددت فيه قوى الحياة المضمحلة، وانتعش فيه روح الأمل البائد. وأنواع الأدواء التي يمكن علاجها في القعب عديدة، منها ما هو عضال يصعب علاجه، وما هو وسط يخشى استفحاله، وما هو يسير يسهل استئصاله. وهي في الغالب كل أنواع الأمراض العصبية والروماتزم (داء المفاصل) وبعض العلل الباطنية المزمنة، والشلل بنوعيه الجزئي والعام. . الخ. ومهما يكن من شيء، فعلاجها أمر موكول إلى التجربة والاستقصاء أكثر منه إلى شيء آخر. على أنه قد يشفى منها الكثيرون بعد ما يقطع الأمل في شفائهم. ولا يزال الأطباء في حيرة من أمر القعب لم يهتدوا حتى الآن إلى معرفة حقيقته معرفة تامة تستند إلى البحث العلمي الصحيح، وقد اكتفوا من ذلك بالإشارة إلى جودة هوائه وصحو سمائه، وأثرهما الحسن في نفوس المرضى، وإسداء النصح لمن يستشيرهم في الذهاب إليه من ذوي العاهات والأمراض. وللناس أقوال متضاربة وإشاعات عديدة يتناقلونها ويروونها عن القعب. فمنهم من يذهب في القول إلى أن مصدر قوته السحرية هذه إنما هي عذوبة الماء، ويزعم أناس أنها جودة الهواء، ويجزم فريق آخر أنها أكل الأزاذ والشواء. وعلى كل حال فحقيقة القعب لا تزال غامضة حتى يستجليها البحث والاستقصاء، ويتولى ذلك نخبة من شبيبتنا المثقفة تحت إشراف الحكومة وبتعضيد الشعب. وبالمناسبة ألفت نظر الجميع إلى وجوب العناية والاهتمام بشأن القعب، وذلك طبعاً بتوفير كل معدات الراحة والرفاهية، وتشييد المساكن الفخمة، وتنظيم طرق المواصلات حتى يسهل السفر إليه والإقامة فيه، فيكثر بذلك عدد المصطافين والمرضى، وحينئذ نحصل على مورد لا بأس به من موارد الرزق نصلح به أحوال البلاد خصوصاً هذه المديرية البائسة في مثل هذه الأزمة الطاحنة