وقد كان المربد في الإسلام صورة معدلة لعكاظ، كان سوقاً للتجارة، وسوقاً للدعوات السياسية وكان سوقاً للأدب. جاء في كتاب (ما يعول عليه) المربد كل موضع حبست فيه الإبل. . ومنه سمي مربد البصرة لاجتماع الناس وحبسهم النعم فيه. كان مجتمع العرب من الأقطار، يتناشدون فيه الأشعار؛ ويبيعون ويشترون وهو (كسوق عكاظ) وقال العيني: (مربد البصرة. . . محلة عظيمة فيها (البصرة) من جهة البرية كان يجتمع العرب من الأقطار ويتناشدون الأشعار ويبيعون ويشترون).
وليس يهمنا هنا أثره السياسي والأدبي، وهما مرتبطان بعضهما ببعض أشد الارتباط. فلا داعي للتفريق بينهما؛ فقد كانت الأحزاب السياسية تنتج أدباً من خطب وشعر، وكانت الخطب والشعر تقوي الأحزاب السياسية وتساعد في تكوينها والحروب بينهما.
المربد في عصر الخلفاء الراشدين
كانت أهم الأخبار في ذلك العصر ما كان بعد قتل عثمان أبن عفان من سير عائشة أم المؤمنين إلى البصرة، فأنها نزلت بفضاء البصرة ورأت أن تبقى خارجها حتى ترسل إلى أهلها تدعوهم بدعوتها، وهي المطالبة بدم عثمان، وبعبارة أخرى الخروج على عليّ؛ وكان معها طلحة والزبير، ثم سارت إلى المربد معهما وخرج إليها من قبل دعوتها، وخرج إلى المربد كذلك عامل عليّ على البصرة، وهو عثمان بن حنيف ومن يؤيده، وأصبح المربد وهو يموج بمن أتى من الحجاز ومن خرج من البصرة، حتى ضاق المربد بمن فيه؛ ورأينا المربد مجالاً للخطباء ممن يؤيد عائشة ومن معها، ومن يؤيد علياً وعامله. أصحاب عائشة في ميمنة المربد وأصحاب علي في ميسرته؛ ويخطب في المربد طلحة ويمدح عثمان بن عفان، ويعظم ما جنى عليه ويدعو إلى الطلب بدمه ويخطب الزبير كذلك وتخطب عائشة أم المؤمنين بصوتها الجهوري ويؤيدهم في ميمنة المربد، ويقولون صدقوا وبروا وقالوا الحق وأمروا بالحق، ويؤثر قول عائشة في أهل الميسرة فينحاز بعضهم أليها ويبقى الآخرون على رأيهم وعلى رأسهم عثمان بن حنيف، ويخطبون كذلك يبينون خطأ الدعوة وأن طلحة والزبير بايعا علياً فلا حق لهما في الخروج عليه، ويؤيدهم أبو الأسود الدؤلي وأمثاله.
وهكذا ينتقل المربد إلى مجمع حافل، فيه الدعوات السياسية مؤيدة بالحجج والبراهين وفيه