للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

معرض البلاغة من خطب طويلة وجمل قصيرة متينة، وفيه الجدل والمناظرة وبحث أهم الأحداث في ذلك العصر، وهو مقتل عثمان بن عفان، وتحديد المسؤولية في قتله. ولم تفد هذه الحرب اللسانية فانتقلت إلى حرب بالسلاح وأصبح المربد ساحة للقتال.

المربد في عهد بني أمية

كان العصر الأموي أزهى عصور المربد، ذلكم لأن العرب كانوا قد هدءوا من الفتح واستقرت الممالك في أيديهم، وأصبح العراق مقصد العرب، يؤمه من أراد الغنى وخاصة البصرة، جاء في الطبري (أن عمر بن الخطاب سأل أنس بن حجية وكان رسولاً إلى عمر من العراق فقال له عمر: كيف رأيت المسلمين؟ فقال إنثالت عليهم الدنيا فهم يهيلون الذهب والفضة، فرغب الناس في البصرة فأتوها) وكان المربد باب البصرة يمر به من أرادها من البادية، ويمر به من خرج من البصرة إلى البادية، ويقطنه قوم من العرب كرهوا معيشة المدن، ويقصده سكان البصرة يستنشقون منه هواء البادية، فكان ملتقى العرب، وكانوا يحيون فيه حياة تشبه حياة الجاهلية من مفاخرة بالأنساب وتعاظم بالكرم والشجاعة، وذكر لما كان بين القبائل من أحن، فالفرزدق يقف في المربد ينهب أمواله فعل كرماء الجاهلية (حكي في النقائض أن زياد بن أبي سفيان كان ينهى أن ينهب أحد مال نفسه، وأن الفرزدق أنهب أمواله بالمربد، وذلك أن أباه بعث معه إبلاً ليبيعها فباعها وأخذ ثمنها فعقد عليه مطرف خز كان عليه، فقال قائل لشد ما عقدت على دراهمك هذه، أما والله لو كان غالب ما فعل هذا الفعل فحلها ثم لأنهبها، وقال من أخذ شيئاً فهو له، وبلغ ذلك زياداً فبالغ في طلبه فهرب. . . فلم يزل في هربه يطوف في القبائل والبلاد حتى مات زياد.)

وكان الأمويون على وجه العموم يعيشون عيشة عربية ويحتفظون بعربيتهم، أن أخذوا شيئاً من الحضارة صبغوه بصبغتهم وحولوه إلى ذوقهم وكذلك فعل عرب البصرة، أرادوا أن يكون لهم من مربد البصرة ما كان لهم من سوق عكاظ في الحجاز فبلغوا غايتهم. وأحيوا العصبية الجاهلية. وساعد الخلفاء الأمويون أنفسهم على أحيائها لما كانوا يستفيدون منها سياسياً، فرأينا ظل ذلك في الأدب والشعر، ورأينا المربد في العصر الأموي يزخر بالشعراء يتهاجون ويتفاخرون، ويعلي كل شاعر من شأن قبيلته ومذهبه السياسي، ويضع من شأن غيره من الشعراء ومذاهبهم السياسية.

<<  <  ج:
ص:  >  >>