للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

المسلمين حق الدرس إلى اليوم؟ وهل من اللائق أن نتنكر لماضينا هذا التنكر؟

عبد المتعال الصعيدي

من ملك مصر والشام إلى ملك بيت المقدس

قاتلهم فكان خير مقاتل، وهادنهم فكان أفضل مهادن، وغلبهم فكان أكرم غالب، وتكلم في الحرب فكان القول زمجرة ونهيما، ونطق في السلم فكان الكلام عندلة وهديلاً، وللهيجاء لسان، وللموا دعة لغة. وكانت لهم في (بيت المقدس) مملكة استمرت مائة عام إلا قليلاً، ومات ملكها وبين (المغير والذائد) هدنة، فأرسل بهذا الكتاب معزياً، ونحن ننشره في (رسالة العرب والعربية) نموذجاً من أدب النفس والخلق العالي والسياسة الحكيمة.

إنه (صلاح الدين) تلميذ (محمد) خادم محمد، صلى الإله على محمد!

(كتب القاضي الفاضل عن السلطان (صلاح الدين يوسف ابن أيوب) إلى بردويل أحد ملوك الإفرنج، وهو يومئذ مستول على بيت المقدس وما معه، معزياً في أبيه، ومهنئاً له بجلوسه في الملك بعده، ما صورته:

أما بعد: خص الله الملك المعظم حافظ بيت المقدس بالجد الصاعد، والسعد الساعد، والحق الزائد، والتوفيق الوارد؛ وهنأه من ملك قومه ما ورثه، وأحسن من هداه فيما أتى به الدهر وأحدثه، فإن كتابنا صادر إليه عند ورود الخبر بما ساء قلوب الأصادق، والنعي الذي وددنا أن قائله غير صادق؛ بالملك العادل الأعز الذي لقاه الله خير ما لقي مثله، وبلغ الأرض سعادته كما بلغه محله؛ معز بما يجب فيه العزاء، ومتأسف لفقده الذي عظمت به الأرزاء؛ إلا أن الله سبحانه قد هون الحادث، بأن جعل ولده الوارث؛ وأنسى المصاب، بأن حفظ به النصاب، ووهبه نعمتين: الملك والشباب. فهنيئاً له ما حاز، وسقياً لقبر والده الذي حق له الفداء لو جاز. ورسولنا الرئيس العميد مختار الدين أدام الله سلامته قائم عنا بإقامة العزاء من لسانه، ووصف ما نلنا من الوحشة لفراق ذلك الصديق وخلو مكانه، وودنا الذي هو ميراثه عن والده من ودادنا، فليلق التحية بمثلها، وليأت الحسنة ليكون من أهلها؛ وليعلم أنا له كما كنا لأبيه: مودة صافية، وعقيدة وافية؛ ومحبة ثبت عقدها في الحياة والوفاة، وسريرة حكمت بالدنيا بالموافاة؛ مع ما في الدين من المخالفات. فليسترسل إلينا استرسال الواثق

<<  <  ج:
ص:  >  >>