مستفيضة تارة عن ديوان (وراء الغمام) وتارة عن ديوان (الملاح التائه) وهكذا، أتساءل في شيء كثير من الإخلاص ما الفائدة الحقيقية التي عادة على أصحاب هذه الدواوين، ولست اعني بأصحاب الدواوين أشخاصهم ولكني اعني ملكة الإنتاج وقوة الإبداع فيهم.
هل استفاد هؤلاء الشعراء من تلك البحوث المستفيضة؟ هل زادت ثروتهم الفنية؟ هل نجد في آثارهم المستقبلة أثراً لهذه البحوث؟ ليس من شأني أن أتجعل الزمن فاحكم على آثار هذه البحوث ومواضيع النقد التي كتبت وتكتب حول هذه الدواوين. ولكني اعرض لكاتب من كبار كتابنا الذين ظهروا حديثا وهو الأستاذ (توفيق الحكيم) لم يكن هذا الكاتب معروفا لدى القراء قبل عام، ولكنه استطاع ان يتبوأ مكانة سامية بين كبار كتابنا في اقل من أسبوع، إذ ما كاد يذيع باكورة آثاره الفنية الرائعة (أهل الكهف) حتى ذاع صيته وعرف في كل مكان. وهنا ألقى السؤال (هل كانت شهرة الأستاذ توفيق الحكيم آتية من جانب النقاد الذين تناولوا روايته أو قصته التمثيلية في إعجاب وتقدير شديدين؟ أم من تلك المسرحية نفسها وما فيها من فن صاحبها وقدرته على تفهم أصول القصة والمحاورة؟.)
أني لا أتردد في الإجابة على هذا السؤال معلنا رأيي في صراحة أن شهرة توفيق الحكيم استمدت غذاءها من روح فضل أساتذة النقد عليه، فقد شادوا بفضله، ووقفوا الناس على فنان كان أمره مجهولا من الكثيرين.
ولكني أسال ما الذي عاد على فن الأستاذ الحكيم من هذا التهليل والتكبير. قد يكون أساتذة النقد أفادوا الأستاذ كمؤلف يريد أن يتعرف للجمهور ويتحدث عنه الناس ويقبلوا على شراء كتبه. وقد يكون أساتذة النقد أفادوا القراء بما استكشفوه في نتاج توفيق الحكيم من فن رائع وعبقرية كامنة. فأقبل القراء على مؤلفاته متزاحمين مدفوعين على قراءتها بما كتبه هؤلاء الأساتذة عنها. ربما كان في هذا الكلام الصواب كله أو بعضه، فكلنا يعرف أن القراء إنما يقرأون بالتأثير كما يتمغطس بعض المعادن من بعض.
فإذا قرأ القارئ كتابا واعجب به أخذ يبدي هذا الإعجاب لمن حوله فيثير فيهم الرغبة القوية لقراءة هذا الكتاب. وهو لا يقنع بهذا ولا يهدأ حتى يقبل أصدقاؤه على هذا الكتاب، وق يكون الأمر على عكس ذلك، فقد يقرأ قارئ كتابا فيضيق به ويسخط على صاحبه ثم هو لا يبقى على هذا السخط في نفسه بل يخلق المناسبات لإعلانه في المجالس وفي الأندية