الأمريكية للبنانيين حصانة تقي أطماعهم من طغيان إخوانهم الأقوياء)، فقالت الفتاة الصبية مخاطبة هذا المعترض، كنت دائماً يا عمي العزيز تكبر في اللبنانيين مقدرتهم في شق طريقهم للحياة، برغم تحاملك عليهم. قلت وقد قطعت على هؤلاء النقاد حبل استرسالهم:(هذا بحث في خصال قومي سأحاسبكم عليه في ظرف مناسب، أما الآن وغايتكم معرفة صدوف مواطني عنكم، فأني أتكفل بإشباع رغبتكم وإرضاء فضولكم).
البحر والوحدة أنجح دواء للشفاء من لوعة الحزن، بل لا حرج على القائل:(إذا أنطلق لساني المحزون بالشكوى فقد زال نصف دائه، وإذا لقيت شكواه قلباً واعياً انتقلت إليه) لقد استطعت بوسائلي الخاصة حل عقدة لسان هذا الحزين وهو من مدينة في لبنان اشتهر سكانها بالفطانة والذكاء، وعرفوا بالصلابة والعناد والأريحية والشمم لتأصل صفات الحرية فيهم فقال لي:
أتعرف حي البرازيلي في زحلة؟
قلت: أعرف الأبنية الجميلة المزخرفة القائمة على ضفاف البردوني!
قال: يوجد في عاصمة البرازيل حي يشبه في هندسة البناء يدعى الحي الزحلي.
قلت: ما علاقة هذا بذاك؟
قال: لست أبالغ إذا قلت لك إن جل طلاب الكلية الشرقية في تلك المدينة كانوا يتوجهون وجهة الهجرة إلى البرازيل، ولم يكن يجول في خواطرهم إلا نيل شهادة الدراسة والرحيل إلى البرازيل واللحاق بإخوان سبقوهم إليها، وهمهم العمل والكسب يبنون بناية جديدة في الحي الزحلي في البرازيل ثم العودة إلى زحلة يشيدون قصراً فخماً في الحي البرازيلي الفخم.
قلت: أعرف روح المغامرة في الزحليين دون سواهم من المهاجرين من لبنان.
قال: ما كدت أفوز بالشهادة المدرسية حتى رغبت إلى والدي أن يأذن لي بالسفر إلى البرازيل وقد وافقا مكرهين.
كانت الباخرة التي أقلتني آنذاك تعج بمئات من المهاجرين أمثالي، وكانت مناديل المودعين ترفرف كأجنحة الحمام، والعيون ترنو بين ساهمة ودامعة، والقلوب تخفق حنان وحب ورجاء.