للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وهذا الرجل إذ يعمد إلى التاريخ لا يتقيد بالحوادث التاريخية إلا أنه يتصرف تصرفا معقولا ويحافظ أشد المحافظة على الجو التاريخي. ومهارته لا تقف عند حد خلق الجو التاريخي الصادق وإظهار العظمة والأبهة، بل تتعداه إلى اختيار القصة التي تساير التاريخ وتلازمه، كما تحوي كثيرا من المواقف التمثيلية البديعة.

وأفلام دي ميل تدل على أنه رجل يميل إلى ما له علاقة بحوادث المسيحية فهو أدار (بن هور)، (علامة الصليب) ثم (الحروب الصليبية) فهل لهذه النزعة علاقة بأنه يقلب إحدى حقائق التاريخ الثابتة، وهي أن الصليبيين لم يأخذوا عكا عنوة وإنما سلمت بعد اتفاق عقد بينهم وبين صلاح الدين؟ لا أظن. وإنما الموقف التمثيلي بعد حرب الدبابات التي أظهرها اقتضى ذلك فلم يحجم عن تجاهل هذه الحقيقة كعادته.

قلت إن موضوع الفلم بديع وقد أمكن أن يساير التاريخ إلى حد معقول، ولكن ذلك لم يمنع دي ميل من أن يخالف بعض الحقائق التاريخية، وستكون قصة الفلم موضع حديثنا في العدد القادم، وسوف نقارنها بالتاريخ كما نقارنها بقصة ايفانهو للكاتب الإنجليزي المعروف والتر سكوت التي تحدث فيها عن صلاح الدين وريكاردس والتي اقتبس منها دي ميل الموقف الذي يقطع فيه ريكاردس قطعة الحديد بسيفه ويقطع صلاح الدين كذلك قطعة الحرير بسيفه أيضاً

أما المجهود الفني الذي بذله دي ميل فهو هائل، فالمناظر في غاية الروعة ومعدات الجيش كاملة مما أكسب الفلم قسطا من الحقيقة. وهو قد أعطى صورة صادقة لهجمات الصليبيين على عكا ودفاع المسلمين عنها. فلقد جاء في كتاب (صلاح الدين الأيوبي وعصره) تأليف الأستاذ الكبير محمد فريد أو حديد وهو حجة في تاريخ المماليك في حديثه عن حصار عكا:

(وقد أبلى في ذلك الشأن بلاء حسنا شاب من صناع دمشق فانه أدخل من التحسين على صناعة النار ما جعلها تحرق آلات الحصار المنيعة التي كان الفرنج يطلونها بطلاء يمنع تعلق النار بها. وكان أشد الآلات على المدينة الدبابات، وهي أبراج عالية ذات طبقات يركبها الجنود وتسير على عجل وفي مقدمتها حديد قوي فتصطدم بالأسوار فتصدعها، ثم يعمل الجنود المجتمعون بها في الأسوار فيهدمونها.

وقد تمكن ذلك الشاب المجتهد من إحراقها باختراع سائل يرميه أولا في قدور على هذه

<<  <  ج:
ص:  >  >>