للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لقد يمتاز الشاعر من بين الناس كافة بلحظات مشرقة خاطفة تعصف بذاته وكيانه عصف الريح بفروع الشجر، فتتفتح لديه مغاليق نفسه، ويطل على دنياه الكامنة، ويلمح عجائب الروح. تلك لحظات ثمينة غريزة تضئ ما اختبأ بين اللحم والدم، وتبعث من المعاني والصور ما لا يفهمها أو يقدرها إلا الشاعر وحده، لأنها مختلطة بأوضار المادة وصادرة عن أسرار الظلام؛ وهي معان وصور لا تلبث للمنطق الظاهر ولا تلين للبيان الشعري، وكل ما في الأمر أنها قطع تنتثر من أعماقنا في حالها الطبيعي كما تنتثر الأحجار الكريمة من جوف البركان. ولقد ينبغي أن نطرح الأوشاب، ونحتفظ بالعنصر الصالح النقي لنذيبه في قالب جديد ونقدمه جوهرة خالصة للناس

فالذين يؤمنون بالوحي الشعري يقتلون العمل والإبداع، ويرضون بالشاعر وسيطا تملي عليه القدرة القادرة ما تشاء من ضروب القول وألوان المطالعة، وما لمثل هذا الفن ويخلق الشعراء! لشد ما هزئنا بالذين كانوا يؤمنون بحلول الجن أجساد البشر، ثم يجرون ألسنتهم ما يشتهون من الحجج واللهجات والنزوات! نعم إن شعور الصادق في اللفظ الجميل قوام الشعر الصحيح، ولكن الشعور النفسي لن ينبجس صافيا عذبا مهيئا للبيان، وما أحسبه يصفو ويعذب إلا إذا نهد له الشاعر بنشاطه فجرده من الأدران التي تمازجه، ونفض الغبار عنه ثم أهداه للقارئ أنشودة وأثرا كاملا. . .

بيروت

محمد روحي فيصل

<<  <  ج:
ص:  >  >>