للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

يتلمس العظمة من حوادث العصر، فها هي ذي مصر وقد داس حماها الرعاة تضمر في نفسها الشر، ويتجمع بنوها حول لواء زعيمهم، ليخرجوا على ظلم العدو وقسوته، ويستخلص شوقي الحكمة من حوادث ذلك العصر في قوله:

إن ملكت النفوس فاتبع رضاها ... فلها ثورة، وفيها مضاء

يسكن الوحش للوثوب من الأس ... ر، فكيف الخلائق العقلاء

وهكذا يمضي شوقي في تلك القصيدة متنقلا من عصر إلى عصر، حتى انتهى به المطاف إلى العصر الحديث، يرسم الخطوط البارزة في تاريخ هذا الوطن، ويحدثنا في قوة عن شعوره إزاء هذه الحوادث العنيفة.

وعندما وقف شوقي أمام النيل، فأنشأ هذه القصيدة الخالدة التي بدأها بقوله:

من أي عهد في القرى تتدفق ... وبأي كف في المدائن تغدق

أخذ يستعيد بخياله ما قام على ضفتيه من حضارة، وما شيد على جانبيه من آثار المجد، وهنا يستوقفه ما يروى من أن قدماء المصريين عبدوا النيل، فيرى هذه العبادة تنم على ما عرفوا به من وفاء ومروءة، وعلى ما للنيل جدير به من الحب والتقدير ويحدثنا عن ذلك شوقي في قوله:

دين الأوائل فيك دين مروءة ... لم لا يؤله من يقوت ويرزق

لو أن مخلوقا يؤله لم تكن ... لسواك مرتبة الألوهية تخلق

جعلوا الهوى لك والوقار عبادة ... إن العبادة خشية وتعلق

دانوا ببحر بالمكارم زاخر ... عذب المشارع مده لا يلحق

متقيد بعهوده ووعوده ... يجري على سنن الوفاء ويصدق

يتقبل الوادي الحياة كريمة ... من راحتيك عميق تتدفق

وإليك بعد الله يرجع تحته ... ما جف أو ما مات أو ما ينفق

ويأخذ شوقي في الحديث عن حكمة الفراعنة وأسرار عقائدهم، وعن هذه الهياكل المنثورة على ضفتي النيل، وهنا يتجلى إعجاب شوقي بتلك الهياكل الشامخة ويصفها أروع وصف وأخلده، ويصور الفناء عاجزاً أمام جلالها، لا يستطيع أن يهتدي إلى مكان ينفذ إليها منه، واستمع إلى شوقي حين يقول في تلك القصيدة:

<<  <  ج:
ص:  >  >>