ولمن هياكل قد علا الباني بها ... بين الثريا والثرى تتنسق
منها المشيد كالبروج، وبعضها ... كالطود وتضطجع أشم منطق
جدد كأول عهدها، وحيالها ... تتقاوم الأرض الفضاء وتعتق
من كل ثقل كاهل الدنيا به ... تعب، ووجه الأرض عنه ضيق
علا على باع البلى لا يهتدي ... ما يعتلي منه وما يتسلق
ويصور الخيال لشوقي تلك المواكب الفخمة المهيبة، يزيد من جلالها مقدم فرعون في جنده وحاشيته، فهذا موكب من مواكب النصر، أب فيه فرعون بجنده منتصراً سعيداً بنصره، وهذا موكب تحتفل فيه البلاد بوفاء النيل، وتلك مواكب الحج يقدم فيها الحجيج إلى طيبة من كل فج عميق، ولندع إلى شوقي يصف لنا أحد هذه المواكب في قوله:
كم موكب تتخايل الدنيا به ... يجلي كما تجلي النجوم، وينسق
فرعون فيه من الكتائب مقبل ... كالسحب قرن الشمس منها مفتق
تعنو لعزته الوجوه، ووجهه ... للشمس في الآفاق عان مطرق
آبت من السفر البعيد جنوده ... وأتته بالفتح السعيد الفيلق
ومشى الملوك مصفدين، خدودهم ... نعل لفرعون العظيم ونمرق
مملوكة أعناقهم ليمينه ... يأبى فيضرب، أو يمته فيعتق
وفي تلك القصيدة يتحدث شوقي عن الأديان التي عرفتها مصر، التي نبت فيها أصل الحضارة، وأنبثق نور المدينة، فكانت المهد الذي ولدت فيه الحكمة، وترعرع فيه العلم، وتأصل في نفوس بنيه الدين.
ويبدع شوقي أيما إبداع عندما يقف أمام صفحة من صفحات تاريخ المجد المصري القديم، ويصل في وصفها إلى أبعد الغايات وأسماها، والحق أن تلك الصحائف الخالدة من تاريخ مصر، والناطقة بمجدها القديم وهي تلك الآثار المنثورة هنا وهناك قد وجدت صداها في شعر شوقي، فأبدع وأجاد في وصفها وها هو ذا يقف أمام الأهرام فيقول:
قل للأعاجيب الثلاث مقالة ... من هاتف بمكانهن وشاد
لله أنت، فما رأيت على الصفا ... هذا الجلال ولا على الأوتاد
لك معابد روعة قدسية=وعليك روحانية العباد