يهدد البلاد بعود الحكم المطلق، وتناشد جميع طبقات الأمة، ولا سيما الطبقات العاملة، أن تذود عن حرياتها وحقوقها التي اكتسبتها بدمائها وتمتعت بها في ظل النظام الجمهوري.
وهذه الناحية الاجتماعية البارزة التي تسفر عنها الثورة الأسبانية تغدو اليوم مسألة أوربية شائكة، تكاد أوربا تنحدر إلى غمرها، بل لقد ظهرت بوادرها العملية بالفعل، وبدا خطرها واضحاً على السلم الأوربي، فقد ظهر أن الثورة العسكرية الأسبانية تتمتع منذ الساعة الأولى بتأييد الدولتين الفاشستيتين الكبيرتين: أعني إيطاليا وألمانيا، وهو تأييد يتخذ صورته المادية في إمداد الثورة بالسلاح والمال؛ وقد أمدت إيطاليا الثوار علانية بسرب من الطيارات؛ وبعثت ألمانيا بارجتين من أسطولها إلى مياه سبتة، واتصل ضباطهما بزعماء الثورة في زيارة رسمية؛ وإزاء هذا التأييد تقوم الدولتان الديموقراطيتان الكبيرتان: أعني فرنسا وإنكلترا من جانبهما بتأييد حكومة مدريد؛ وإذا كانت فرنسا تؤثر أن تتظاهر بالحيدة فلا ريب أنها مع ذلك تمد حكومة مدريد بالمال والسلاح؛ أما إنكلترا فلم تتردد في إمدادها بالطيارات، ولكن تحت ستار التجارة الحرة. وفي ميدان السياسة الدولية تعتبر المسألة الأسبانية مسألة اليوم، وقد طرحتها فرنسا على بساط البحث بتوجيه مذكرة إلى إنكلترا وإيطاليا وألمانيا، تقترح فيها أن تجتمع الدول الأربع لبحث المسألة الأسبانية، وإصدار تصريح تتعهد كل منها فيه بالتزام الحيدة وعدم التدخل في حوادث أسبانيا؛ وقد أجابت إنكلترا بتأييد هذا الاقتراح لاتفاق وجهة نظرها مع وجهة النظر الفرنسية؛ أما إيطاليا فقد أبدت عليه تحفظاتها، وأما ألمانيا فقد اشترطت أن تدعي روسيا السوفيتية للاشتراك مع باقي الدول في القيام بهذه الخطوة. ولاقتراح ألمانيا مغزاه، وهو أن روسيا السوفيتية تؤيد حكومة مدريد والجبهة الاشتراكية التي تستند إليها، أو بعبارة أخرى هو أن التدخل البلشفي عامل هام في تطور الحوادث في أسبانيا.
ويجب أن نلاحظ أن العوامل الاجتماعية التي أملت على الدول موقفها ترجع من جانبها إلى عوامل المصلحة المادية. ذلك أن إنكلترا التي تسهر في جبل طارق على أبواب البحر الأبيض المتوسط ومدخل المحيط الأطلنطي، تخشى أن تتأثر سيادتها في هذه المياه بتطور الحوادث الأسبانية تطوراً لا يرغب فيه، وذلك بقيام حكومة فاشستية في مدريد تتأثر بوحي الفاشستية الإيطالية التي غدت منذ المسألة الحبشية شوكة في جانب الإمبراطورية