البريطانية. هذا إلى أن لإنكلترا في أسبانيا مصالح مالية خطيرة، والأموال الإنكليزية تغذي معظم شركات التعدين الأسبانية؛ ومع أن إنكلترا تبغض شبح الفاشستية وتخشاه، فأنها أيضاً تبغض شبح البلشفية والاشتراكية المتطرفة وتخشى أن يؤدي ظفر الجبهة الشعبية الجمهورية في أسبانيا إلى قيام حكومة تخضع لنفوذ موسكو، وتعمل على مناوأة نفوذها ومصالحها في غرب البحر الأبيض المتوسط. فالسياسة الإنكليزية تعمل في هذا الظرف على إيجاد نوع من التوازن القومي في أسبانيا وقيام حكومة ديموقراطية معتدلة تجانب الغلو والتطرف؛ وأما موقف فرنسا فتمليه مصالحها في البحر الأبيض المتوسط، والخوف على سيادتها في مراكش من أن تتأثر بظفر الفاشستية المتطرفة في أسبانيا.
على أن المسألة الأسبانية في جوهرها قائمة على معركة المبادئ التي تلوح اليوم قوية في أوربا؛ فالفاشستية - في شخص إيطاليا وألمانيا - تحاول بمبادئها الطاغية المغرقة أن تهدم حصناً جديداً للديموقراطية، وأن تضم دولة أوربية جديدة إلى جبهتها بمؤازرة الثورة العسكرية الأسبانية؛ والديموقراطية - في شخص إنكلترا وفرنسا - تحاول أن تقف في وجه الفاشستية؛ وروسيا البلشفية تحاول أن تنتهز الفرص لبث دعايتها لإضرام الثورة العالمية؛ والفاشستية تمثل جبهة الدول الناقمة التي حرمت من مزايا الاستعمار الباذخ؛ والديموقراطية تمثل جبهة الدول الراضية التي تتمتع بالثراء والاستعمار الباذخ؛ ومعركة المبادئ تتحد هنا مع معركة المصالح المادية.
وهذا هو وجه الخطر في الأزمة التي تغيم اليوم في أفق السياسة الأوربية، والتي قد تغدو غير بعيد خطراً يهدد السلم الأوربي، ذلك أم معركة المبادئ والمثل تغذيها هنا مصالح مادية قوية؛ وهذا الصراع الذي تذكيه شهوات المادة والمبدأ معاً هو أخطر أنواع الصراع الدولي. فالبلشفية من ناحية، والفاشستية والنازية من الناحية الأخرى تنزل إلى ميدان الصراع مسلحة بأخطر أنواع الدعاية والقوى المادية؛ والديموقراطية من جانبها تحاول أن تقف موقفاً وسطاً بين المبادئ والمثل المضطرمة، وأن تدفع تيار التطرف من الجانبين صوناً لوحدتها وكيانها. ولنلاحظ أيضاً أن فرنسا الاشتراكية تؤثر ظفر الجبهة الشعبية الأسبانية، ولو أن هذا الظفر قد يدفع أسبانيا إلى أحضان الشيوعية، ذلك أن روسيا البلشفية تقف إلى جانب فرنسا في ميدان الصراع الدولي ضد ألمانيا، وألمانيا تعتبر نفسها حاجزاً للبلشفية