وترى في روسيا ألد أعدائها؛ وإيطاليا ترى في ألمانيا حليفتها في المبادئ والمثل؛ والفاشستية والنازية كالبلشفية تعتبر كلتاهما أنها نظام المستقبل وتحاول أن تدفع مبادئها إلى خارج حدودها بمختلف الوسائل.
هذه هي عناصر المعركة الدولية الخطيرة التي أثارتها الحوادث الأسبانية؛ وهي ما زالت في طور التمهيد والمقدمات؛ ومن الصعب الآن أن نتبين طورها المقبل؛ ذلك أن سيرها يتوقف كثيراً على سير الحوادث في أسبانيا؛ بيد أنا نستطيع أن نتبين بعض وجوه الخطر الذي يهدد السلم الأوربي؛ فإيطاليا التي ما زالت ثملة بفوزها في الحبشة تحاول أن تستغل الظروف، وأن توجه ضربة جديدة إلى الإمبراطورية البريطانية وإلى سيادة بريطانيا في البحر الأبيض؛ وألمانيا التي جردت من مستعمراتها تحاول أن تجد فرصة للتدخل في شؤون البحر الأبيض، وبخاصة في شؤون طنجة ومراكش، وأن تنتهز مخاوف إنكلترا وفرنسا لتثير المسألة الاستعمارية من جديد؛ وإنكلترا التي شعرت منذ المأساة الحبشية بما يهدد سيادتها في البحر الأبيض من الأخطار تتحين الفرص لتوكيد نفوذها وهيبتها؛ وفرنسا لا تطيق لحظة أن يتعرض مركزها في مراكش لأي تدخل أو خطر. ومما يجدر ذكره بهذه المناسبة أن تحرش ألمانيا بمركز فرنسا في مراكش يوم ضربت عليها الحماية الفرنسية كان من أهم العوامل في تسميم جو السياسة الأوربية قبيل الحرب الكبرى، والتمهيد لذلك الجو المضطرب الذي اجتمعت فيه أسباب الحرب.
هذا وهناك ظاهرة تتكشف عنها تلك المعركة الخطيرة بين الديموقراطية والفاشستية، هي أن الفاشستية تعمل بسرعة وعزم دون تردد أو تدبر للعواقب؛ وأما الديموقراطية فما زالت مختلفة متنازعة، وما زالت تجنح إلى التردد والتخاذل. وقد استطاعت الفاشستية غير مرة أن تنتهز فرصة هذا التخبط وأن تضرب ضرباتها في صميم الديموقراطية؛ ومن جهة أخرى فقد أفسدت الروح الاشتراكية المتطرفة عقلية الجماعات، وبثت فيها كثيراً من دواعي التخاذل والغرور، هذا بينما تجد الصفوف الفاشستية منظمة طائعة تعمل لأول إشارة تلقى إليها.
فهل تستحيل تلك المعركة الدولية في القريب العاجل إلى صراع الحياة والموت بين النظم والمثل في أوربا؟ وهل تدفع أوربا إلى طريق حرب جديدة ما زالت عواملها تجتمع في