وتخيلت أنها ترى قديسون يزهون في لباسهم الأبيض الناصع ينادونها أن خلصي فرنسا، بل لقد أفزعتها يوماً أصوات تحدثها وهي منفردة في حديقة دارها (يا ابنة الله، إلى الأمام وأنا معك). أنصتت لهذه الأصوات وهي مأخوذة خائفة، وأصبحت تحيا في عالمين أحدهما بيئتها والثاني السماء والقديسون والملائكة. واعتقدت أن الله يوحي إليها. وهكذا رسخت هذه العقيدة في نفسها إلى آخر يوم في حياتها.
ومن هذا الأيمان الغامض الذي لا يمكن تفسيره بانت معجزتها. ولسنا إزاء الحقائق التي حصلت على يدها بقادرين على إنكارها، فإنها قلبت التاريخ رأساً على عقب. ولم تبلغ هذه العذراء سوى ستة عشر سنة عندما نهضت لخلاص فرنسا وتثبيت عرش ملك مزعزع وطرد الإنجليز ومنح بلادها روحاً جديدة جعلتها بين مصاف الدول الكبرى. وبدأت مخاطراتها العظيمة مسلحة بالأيمان بالله، ولم يستطع أحد إرجاعها عن عزمها بل لم يجد غضب أبيها ولا إغراؤها ولا السخرية منها بل ولا حرمان الكنيسة شيئاً لردعها عن تصميمها، وصرح لها أبوها بأنه يفضل إغراقها في نهر الميز على أن يراها تعتلي صهوة جواد بجانب الجند. وعندما قابلت حاكم المدينة وطلبت إليه تقديمها إلى ولي العهد لتبليغه رسالتها طردها مشيعاً إياها بالسخرية، وعندما اجتمع الحاكم بعمها وقسيس الكنيسة تداولوا في شأنها فلم يسع القديس إلا أن يطلب إلى الله أن يبعد عنها الأرواح الشريرة.
ولكن لله حكمة: يختار أبسط الأشياء ليحير به الألباب. وفي النهاية تم النصر لجان إزاء إصرارها، فإن حاكم فاكولير أرسلها مع جنديين إلى البلاط في شبنومرتدية ملابس الفرسان، وسافرت مع رفيقيها أحد عشر يوماً في طريق غير مأمونة، فكانوا ينامون النهار ويسيرون الليل اجتناباً لمصادمة الفرق الإنجليزية الجوالة، ويخوضون الأنهار حتى لا يدخلوا المدن. وكانت تتمتم وهي سائرة (مهد الله السبيل إلي فإني خلقت لهذا) حتى بلغوا البلاط حيث كان يقضي الملك شارل السابع أيامه وسط المهرجين والمنافقين.
وكانت جان ترى أن الملك الطيب هو الذي يكرس حياته لأسعاد بلاده ومع ذلك أرادت أن تثبت عرش شارل السابع وهو مجرد من كل فضيلة لأن تثبيته تثبيت للملكية وهي أساس نظام الحكم في فرنسا.
أرادت أن يخلص أمر فرنسا ليد ولي العهد ليسير بها إلى المجد عن طريق جديدة غير