التي سلكها أبوه، وأن يبدأ هذه الطريق بتتويجه ملكاً أمام جميع الفرنسيين - وبعد انتظار يومين مثلت بين يديه. ومما لاشك فيه أن هذه المقابلة كانت مثاراً للغرابة والتسلية. وسارت العذراء القروية التي كانت تجهل كل من قابلتهم في البلاط إلى حيث الملك وركعت أمامه وقالت مشيرة إلى ولي العهد بارك الله في حياتك، فابتسم ولي العهد وقال لها: لست أنا الملك ها هو جلالته. فأجابته، أيها الأمير الرقيق، انك هو وليس غيرك، أرسلني إليك ملك السماوات لأبشرك أنك ستتوج ملكاً في ريمس. ثم همست في أذن الملك شارل بكلمات عدها فيما بعد برهاناً ساطعاً على ولائها وصدق إلهامها.
كان الملك في أول الأمر تحت تأثير عاملين: أحدهما نوع من الهيبة من هذه الفتاة الغريبة التي جاءته وفيها قوة مقدسة؛ والعامل الآخر هو السخرية والتهكم اللذان قابل بهما كل فرد مطالبها الغريبة. ولكن الأمر انتهى بانحياز الملك إليها وأعلن أن جلالته اقتنع بقداسة الفتاة وأنه قرر الانتفاع بها.
وكان الجيش الإنجليزي محاصراً لأورليان وساداً الطريق إلى ريمس؛ فكان أول أوامر الفتاة طرد الفصائل الإنجليزية من خطوطها ورفع الحصار. وأعطيت علماً أبيض ذهبياً مرسوماً عليه صورة المسيح فكانت طوال أوقات انتصاراتها تحمل هذا العلم، وأتى إليها بسيف لم تستخدمه مطلقاً من وراء محراب تصورت أنه أوحى إليها به؛ فكنت تراها صورة مقدسة في لباسها الأبيض تجتاز على جوادها الطرق منتصرة كأنها رسالة الله إلى وطنها.
وتقرر تنصيبها قائدة على رأس الجيوش الملكية. وفي أبريل من سنة ١٤٢٩ سارت بجيشها إلى أورليان حيث طلبت من الإنجليز - بأمر الله القاهر - مفاتيح المدن التي استولوا عليها عنوة واقتداراً ورجت منهم الخروج من البلاد، وأعلنت في حالة عدم تصديقها (أنها ستقيم ثورة في البلاد لم تعرفها فرنسا منذ آلاف السنين).
وسخر منها المغتصبون وأجابوا على طلبها بأن الأجدر بها الرجوع إلى مهنتها: حلب الأبقار ورعاية الأغنام. ولكن كان في هذه الراعية إلى جانب إيمانها الثابت برسالتها صفة القيادة، وكانت أكثر من مساعديها من القواد عرفاناً بالواجب الملقى على الجيش، فأندفع الجنود والمتطوعون متأثرين بروحها فيهم إلى الحصون الإنجليزية واستولوا عليها وارتد