علو في الحياة وفي الممات ... لحق تلك إحدى المعجزات
وهذه القصيدة وزعت في شوارع بغداد خفية - كما توزع اليوم المنشورات السرية - إلى أن بلغ خبرها ابن بويه فتمنى أن يكون هو المصلوب وأن تكون القصيدة قيلت فيه.
ومن الناس من يصاب بالعمى على سن عالية كما حدث للدكتور أرميتاج الإنجليزي من رجال القرن التاسع عشر، فقد كان جراحاً نابهاً وبرع في علم النبات براعة جعلته من أكبر الثقات فيه. وأتقن الألمانية كأنه وهو يتكلم بها لا يستعمل لغة غربية، فلما نزلت به البلية لم يستكن إلى محبس العمى وسجن الظلام بل استطاع أن يقدم إلى إخوانه في البلاء أجل المساعدات التي جعلته في عداد الآخذين بيد المكفوفين العاملين على تحسين أحوالهم وتهوين الحياة عليهم.
ومن هؤلاء في أدبنا العربي صالح بن عبد القدوس صاحب البيت المشهور: -
ما يبلغ الأعداء من جاهل ... ما يبلغ الجاهل من نفسه
فقد ذاق متع الدنيا ولذات العيش وهو بصير، فلما عمى لزم بيته وأوى إلى محبسه، ووجد في الوحدة أنساً وفي العزلة سروراً. وعبر عن ذلك بقوله: -
أنست بوحدتي فلزمت بيتي=فتم العز عندي والسرور
وأدبني الزمان فليت أني ... هجرت فلا أزار ولا أزور
وله أبيات مؤثرة يخاطب بها عينه الذاهبة بقوله: -
عزاءك أيها العين السكوب ... ودمعك أنها ثوب تنوب
وكنت كريمتي وسراج وجهي ... وكانت لي بك الدنيا تطيب
ومنها: -
على الدنيا السلام فما لشيخ ... ضرير العين في الدنيا نصيب
يموت المرء وهو يعد حيا ... ويخلف ظنه الأمل الكذوب
يمنيني الطبيب شفاء عيني ... وما غير الإله لها طبيب
إذا ما مات بعضك فابك بعضاً ... فإن البعض من بعض قريب
وممن أصيب بالعمى على كبر عطاء بن رباح الذي ولد في خلافة عثمان بن عفان، وكان تابعياً جليلاً. انتهت إليه الفتوى بمكة وشهد له أبو حنيفة بالفضل.