أما طريقته في العمل ففريدة في بابها. فترى في مرسمه كثيراً من المثل الآدمية العارية تمشي الهوينا أو تستريح، يؤجرهم رودان لكي يرى فيهم الجسم العاري يتحرك بكل ما في الحياة من حرية، فهو يلاحظهم في غير انقطاع؛ وبذلك أمكنه أن يلم برؤية العضلات في حركاتها وسكناتها. إن الجسد العاري الذي نعتبره نحن المحدثين علانية شاذة، والذي لا يرى فيه المثاليون إلا طيفاً لا يدوم لأكثر من جلسة أصبح منظراً أصبح منظراً مألوفا لدى رودان.
وإن الدراية المستمرة بالجسم الإنساني، تلك الدراية التي أكتسبها قدماء الإغريق من ملاحظة الألعاب الرياضية كالمصارعة ورماية القرص والملاكمة وغيرها من صنوف الألعاب الرياضية، والتي أباحت لفنانيهم أن يتكلموا بحرية عن الجسد العاري اكتسبها صانع (المفكر) أو رودان بجعل الآدميين العرايا يذهبون ويجيئون أمام عينيه باستمرار. بذلك استطاع أن يستكنه المشاعر التي تعبر عنها كل هنة من هناة الجسد. ويعتبر الوجه عادة المرآة الوحيدة التي نرى فيها النفس، كما يبدو لنا أن تحرك أعضاء الوجه هو المظهر الخارجي الوحيد للروح. وفي حقيقة الأمر الواقع أنه لا توجد عضلة من عضلات الجسم لا تعبر عن التغيرات التي تطرأ على الشعور الداخلي، كلها تعبر عن فرح أو حزن، عن يأس أو أمل، عن تعقل أو جنون. إن الذراع المنبسطة أو الجسم المسترخي ليبسم في رقة وحلاوة مثلما تبسم الشفاه أو العيون، ولكي يصبح المرء قادراً على تفسير كل خلجة من خلجات اللحم وجب عليه أن يوطن نفسه على قراءة ذلك الكتاب البديع - وهذا ما فعله أساطين الفن الأقدمون، وساعدتهم عليه ظروف مدينتهم أما رودان فقد توصل إليه في عصرنا هذا بقوة إرادته الخاصة. إنه يتبع مثله بنظراته الفاحصة النهمة ويتنسم في هدوء روح الحياة التي تختلج فيهم، ويعجب بطراوة هذه الفتاة التي تنحني لتلتقط إزميلا، أو بجمال أخرى ترفع ذراعيها لتصفف شعرها الذهبي فوق رأسها، أو بخطران شاب يمشي عبر الغرفة، وعندما يأتي هذا أو ذاك بحركة أو وضع يروقه يطلب منه تواً أن يستبقي ذلك الوضع ثم يهوي إلى طينه ويعمل بسرعة فلا يلبث أن يخرج تمثالا صغيراً إلى الوجود، ثم ينتقل بنفس السرعة إلى غيره يشكله ويسويه بالطريقة ذاتها.