وفي إحدى الأمسيات، عندما أخذ الليل يرخي سدوله الكثيفة على مرسمه جرى لي حديث مع المعلم عن طريقته بدأته بقولي:
(إن ما يدهشني منك أنك لا تشتغل على وتيرة أقرانك. إني لأعرف الكثير منهم وقد رأيتهم يعملون، فهم يجعلون المثال يعتلي خشبة تسمى العرش ويأمرونه بأن يتخذ كذا وكذا من الأوضاع، وفي العادة يثنون أو يبسطون ذراعيه ورجليه حسبما يروق لهم، ويحنون رأسه أو يمدون جسمه كما لو كان بنتا من بنات الأطفال؛ ثم يشرعون بعد ذلك في العمل. أما أنت فعلى النقيض من ذلك، تنتظر حتى يأخذ مثالك وضعاً من الأوضاع التي تروقك فتقوم بانتساخه حتى لكأنك أنت الذي تأتمر بأمرهم ولينسوا هم الذين ينزلون على أمرك).
وكان رودان متشاغلا بلف نماذجه الصغيرة بلفائف مبللة فأجابني في هدوء.
(أنا لست رهين أمرهم وإنما أنصاع لأوامر الطبيعة، أما زملائي فلهم ولا ريب أسبابهم التي تدعوهم إلى الاشتغال على النحو الذي ذكرت، ولكن اعتسافهم الطبيعة على هذا النحو ومعاملتهم الإنسان معاملة الدمى تجعلهم يخاطرون بإنتاج تماثيل متكلفة لا تنبض بالحياة، أما أنا ينشد الحقيقة ويدرس الحياة كما ترى فسوف أحرص على ألا أنهج نهجهم. إني أستخرج الحركات التي إلا حظها من الحياة ولكنني لا أفرضها ولا أصطنعها، حتى إذا ألجأني الأمر وأنا أشتغل بموضوع ما أن أطلب من المثال أن يتخذ وضعاً معينا ثابتاً فأني أشير إليه بأن يأخذ ذلك الوضع متحاشيا جهدي أن أمسه لأضعه في الموضع المطلوب، لأني لا أنقل إلا ما تقدمه لي الحقيقة على الأثر. إني أطيع الطبيعة في كل شيء، ولا أحاول قط أن أسيطر عليها، وكل ما تصبو إليه النفس هو أن أكون عبدها الوفي الأمين)، فأجبته في شيء من الخبث والمداورة (ومع ذلك فأنت لا تبرز الطبيعة في أعمالك بنصها وفصها) فتوقف قليلا وهو ممسك باللفائف المبللة ثم أجابني وهو مقطب الأسارير.
- نعم إني أبرزها بنصها وفصها
- ولكنك تضطر إلى تغيير. . .
- لا أغير منها فتيلا
- ولكن البرهان على أنك تغير منها هو أن السبيكة لا تعطي من التأثير مثلما يعطيه عمل يدك من الأحوال.