للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ففكر لحظة ثم قال:

هذا حق! لأن السبيكة أقل صدقاً مما تطبعه يدي في الطين أو تحفره في الحجر يكاد يكون مستحيلا على أي مثال أن يحتفظ بوضع حي طيلة الوقت الذي يلزم لعمل سبيكة منه

ولكني أحتفظ بجملة الوضع بمخيلتي وأصر على أن يتطابق المثال على ما وعته مخيلتي من ذلك الوضع. وأكثر من ذلك أن السبيكة لا تظهر إلا المظهر الخارجي، ولكني أظهر بجانب ذلك الروح التي هي بلا ريب جزء من الطبيعة أيضاً. إني أرى الحقيقة كاملة ولا أقصر نفسي على رؤية المظهر الخارجي. إني أبالغ في إظهار الخطوط التي تعبر أحسن تعبير عن الحالة النفسية التي أتولى تفسيرها)

وكان يريني وهو يتكلم تمثالا من أروع تماثيله قائماً على منصة قريبة، هو تمثال لشاب راكع رافع ذراعيه المتوسلتين إلى السماء كأنما تنهش كيانه الألم، جسمه مائل إلى الوراء، وصدره ناهد وحلقه متوتر من اليأس، أما يداه فممدودتان إلى مخلوق وهمي تتوقان إلى إمساكه، ثم قال لي:

(انظر، لقد أوضحت انتفاخ العضلات التي تفصح عن الألم، فهنا وهنا وهناك قد غاليت في توتير أربطة العضلات التي تدل على تدفق الصلاة وحرارتها) وبعد ذلك أشار إلي أقوى وأبرز ما بالتمثال من أجزاء، وهنا صحت به متهكماً:

(لقد أصبت منك مغمزا يا أستاذي. تقول بنفسك إنك تفصح، وتزيد، وتبالغ. . فترى من ذلك إذن أنك غيرت من الطبيعة) فأخذ يضحك من عنادي ويقول:

(أبداً، أنا لم أغير منها شيئاً، وعلى فرض أني فعلت ذلك فأني لم أكن أتوقعه وقتذاك، فالإحساس الذي سيطر على مشاعري وقتئذ أراني الطبيعة كما نقلتها. فإذا ما أردت تنقيح ما رأيت وجعله أكثر جمالا لما أنتجت شيئا طيبا) وبعد برهة عاود حديثه قائلا:

(إني أوافقك على أن الفنان لا يرى الطبيعة كما يراها السوقي لان عواطفه تكشف له عن الحقائق المخبوءة تحت ستر المظهر الخارجي، وعلى كل حال فالقاعدة الوحيدة في الفن هي أن تنسخ من الطبيعة ما تراه. ويرى المشتغلون بجمال الفنون أن أية قاعدة مغايرة لهذه يكون مآلها إلى البور، فليس ثمت من طريقة لتحسين الطبيعة، والأمر الوحيد هو أن ترى. آه، حقيقة أنه ليس في مقدور رجل من أوساط الناس ممن ينسخون الطبيعة أن يأتي بعمل

<<  <  ج:
ص:  >  >>