أستعلن بما أعرف على صفحات الرسالة الغراء ليكون من علم قرائها الذين هم صفوة أهل الأدب في العالم العربي، ومنهم ولا ريب قراء كتاب (حياة الرافعي) لكيلا يفوتهم من أمر هذه الحياة الجليلة شئ
تحدث الأستاذ سعيد في هامش الصفحة ١٣ من هذا الكتاب قال:(كان للرافعي صلة روحية بالسيد البدوي ترتفع عن الجدل والمناقشة وله فيه مدائح وتوسلات شعرية كثيرة. . .) وهذا القول لو أُخذ على إطلاقه لبدا منه أن الرافعي رحمه الله كان من الذين يعتقدون بالتوسل بأصحاب القبور، فيتخذونهم وسطاء بينهم وبين الله يفزعون في كل ما يهمهم إليهم، ويستعينون بهم في قضاء مآربهم. وإذا صح ذلك كان مغمزاً في أعظم جانب من حياة الرافعي، وهو الجانب الديني؛ لأن التوسل بأصحاب القبور عند المحققين وأهل البصر بالدين إنما هو شرك بالله يبرأ منه كل مسلم صحيح الإيمان. والرافعي رحمه الله كان إماماً في الدين كما كان إماماً في الأدب؛ وكان من دعوته في الحياة أن يعتصم المسلمون بعروة دينهم الوثقى، وأن يرجعوا من وثنيتهم إلى الدين الخالص الحق الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم
على أن هذا الأمر الذي أشار إليه أخونا سعيد لا يعرف غيري وجه الحق فيه، ذلك أني كنت في إحدى زياراتي للرافعي بطنطا في سنة ١٩١٨ وما كدت أجلس إليه حتى قال لي:(أبشر يا أبا رية، لقد اقتربت ساعة شفائي من علتي إن شاء الله (وهي العلة التي كانت بأذنه). ولما سألته عن مرجع هذه البشرى قال:(لقد رأيت السيد البدوي في المنام ليلة الأمس قد جاءني وبشرني بالشفاء فنهضت من نومي وأنشأت فيه هذه القصيدة) ودفعها إليّ فقلت له إن هذه القصيدة لو نشرت لكانت فتنة للمسلمين، فخير لك أن تطويها حتى نرى تأويلها. ولأنه رحمه الله كان يعتقد في عالم الروح اعتقاداً غريباً وكان يأخذ بالحديث الشريف في أن دعوة المؤمن على ظهر الغيب تنفع، وكان بحسن ظنه يستعين من إخلاصي له حتى كان لا يكتب لي خطاباً إلا ويطلب في آخره ألا أنساه من الدعوات الطيبة، فقد كتب لي في ورقة صغيرة هذه العبارة (أريد أن تذهب الآن إلى جامع السيد وتتوضأ وتصلي بعض ركعات ثم تقرأ ما تيسر من القرآن على نية أن يعجل الله بشفائي ثم تدعوا لي بذلك فإن دعاء المؤمن لا يعدله شيء في سرعة الإجابة مع خلوص النية.