ما ورد عنه في كتاب الموسيقى الشرقي لأحد تلاميذه المرحوم (كامل الخلعي) من وصف عام شامل يدرك القارئ منه مقدار المكانة الفنية الرائعة التي كان يتمتع نابغتنا بها في مصر ومقدار تقدير المعاصرين له. قال بالحرف الواحد ما نصه.
فكان مسرحه مورداً عذباً يؤمه الكبراء والأمراء والشعراء والأدباء لمشاهدة رواياته وجلها من منشآته لما جمعت بين جزالة الألفاظ وعذوبتها ورقة المعاني ودقتها - أرهفت نواحيها بالتهذيب، وطرزت حواشيها بكل غريب - شهد لحسنها الكثير من أهل البلاغة ومنقبي صناعة الصياغة كما شهد من قبل أكابر الموسيقيين وفطاحل الملحنين - وكان بعد انتهاء كل رواية يلقي من القطع الموسيقية شذوراً تنزو لها الأكباد، ويتحرك لحسن وقعها الفؤاد، حتى أحرزت مصرنا من إقامته فيها فنوناً جزيلة وفضائل جليلة يقدرها حتى قدرها أولو السجايا الحميدة والعقول الحصيفة - ولا ينكرها إلا ذوو الأغراض السافلة السخيفة اه). هذا وقد أفرد له تلميذ بحثاً خاصاً ذاكراً فيه مزاياه الفنية والأدبية والأخلاقية والعلمية يراه القارئ في تراجم عظماء الموهوبين من رجالات الفن على الصفحة (١٣٧) من هذا الكتاب التي أشرت إليه آنفاً ونقلت عنه هذه الفقرة من الترجمة مدللاً بها على صحة ما أوردته من تقدير هذا النابغ في مصر العزيزة وهي غيض من فيض ما كتب عنه في هذا الفصل يراه الباحث المنقب الذي يريد أن يعرف عظمة القباني يومئذ في ربوع النيل السعيد، وقد عرف عن الشيخ سلامة حجازي أنه كان يحضر رواياته وهو فتى حدث لم يبلغ الحلم بعد فلفت نظر القباني هذا الفتى المداوم على مشاهدة رواياته كل ليلة فسأل عنه فقيل إنه منشد حدث ينشد في الأزكار والموالد يدعى سلامة حجازي فدعاه لإسماعه فأسمعه إياه فسر به كل السرور وتنبأ له بمستقبل باهر وصيت بعيد. ولقد صدقت نبوءة القباني فيما بعد وأرتنا الأيام أن الشيخ سلامة أمس باقعة عصره في فنه وأن الزمان قل أن يجود بمثله في عصر ضن بالأصوات الكاملة التي تشبه صوته، ولابد أن يكون الشيخ سلامة بهذه المداومة على رواياته كل ليلة قد أخذ عنه الكثير من أصول التمثيل والفن وتتلمذ عليه لأن هذا الفن كان مجهولاً لدى المصريين كما أن أولاد عكاشة عبد الله وأخويه كانوا من تلاميذه المداومين، وعبد العزيز خليل وكامل الخلعي كانا من أنبغ تلاميذه المقربين إليه. وأول من ساعده في عمله من المصريين (أنطون فرح) اشتغل في جوقته بحديقة الأزبكية. ولما طبقت شهرته