ونسوا نوتش، فوقف وحيدا يمسح الطلاء العالق على شاربه، وينظر إلى الهر يقفز على أكتاف زملائه. أخيرا قال في نبرات تشوبها التوسل والرجاء - أيها الرفاق، دعونا نطلي الهر.
فصاح واحد - ولكنه يموت.
فقال - من الطلاء!؟ هراء!
فقال رجل عريض الكتفين ذو لحية حمراء - يا لها من فكرة غريبة! إنك لشيطان حقا!
ولم ينتظر نوتش موافقتهم، بل حمل الهر بين يديه وسار به نحو الدلو وهو ينشد أنشودة مضحكة يصف فيها الهر. ويبتسم السجناء وابتعدوا يفسحون له طريقا. وشاهدته وقد أمسك بالهر من ذيله ثم غطسه في الدلو وهو يرقص وينشد. وقهقه الجميع، واهتزت الأجسام، وأطل النساء السجينات من جناحهن يبتسمن، وشاركهن الحراس الضحك. وأخيرا صاح ذو اللحية الحمراء - كفى أيها الرجل. فليأخذك الشيطان!
وازدادت حماسة نوتش بعد أن ألتف حوله رفاقه، وبعد أن أصبح محط أنظارهم ومبعث سرورهم. وغمر المكان ضحكات جنونية كانت الشمس تضحك وهي تشرف على البناء، والسماء الزرقاء تبتسم فوق السجناء، وحتى الحوائط القذرة فقد بدت وكأنها مهيجة بما كان يحدث في الفناء. وافترت ثغور النساء فتلألأت أسناهن تحت أشعة الشمس. وانزاح ذلك الفتور القابض الذي كان يبعث في المكان جوا من السأم والملل، وأصبح مشرقا تترد في أنحائه صدى الضحكات.
وأخيرا وضع نوتش الهر على الأرض، ثم واصل مرحه وهو يلهث والعرق يتصبب منه، وشيئا فشيئا تلاشى الضحك بعد أن تعب السجناء منه، وأخيرا ران على المكان الصمت لا يقطعه إلا صوت نوتش وهو ينشد ويرقص، وماء الهر وهو يزحف على الحشائش، ويتعثر في سيره بأقدام مرتعشة، ويقف بين الفينة والفينة كأنم التصق بالحشائش الخضراء التي اصبح من المتعذر تمييزه عنها.
وصاح ذو اللحية الحمراء - ما الذي فعلته أيها الوحش؟
وتطلعت إلى نوتش الأنظار شرزا. وصاح شاب وهو يشير إلى الهر - أنه يموء. فجعلوا