للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الغلظة: (ليس عندي شراب لكل عابر سبيل!. . فتفضل بمغادرتنا).

فترسمت على شفتي (إبليس) ابتسامة. . . بيد أن الشيطان الصغير ما لبث أن همس في مسمعه: (انتظر بعض الوقت! وانظر ما سوف يفعلون!.).

نهل الرفقاء الأغنياء مع صاحبهم الفلاح، وجرعوا من الصهباء ما طاب لهم، ولذ لمذاقهم. . . وبدأت تسري بينهم أحاديث النفاق والخداع، وتجري على ألسنتهم ألفاظ السوء والنميمة. . . وتطير بين شفاههم كلمات الملق والمداهنة والرياء.

فأصغى (إبليس) لما يقولون. . . وسره ما رآه من نبوغ تلميذه الشيطان. . . وقال (إذا كان هذا الشراب يحملهم على أن يتبادلوا أحاديث المكر والخداع كما هي خلال الثعالب فإن ذلك يجعلهم عجينه طيعة في أيدينا نحن الشياطين!.).

فأجابه الشيطان الصغير: (دعهم يتناولون زقاً آخر من هذه الخمر. . . ثم ارقب ما يكون من أمرهم. . . إنهم الآن يبصبصون بأذنابهم كالثعالب، ويتماكرون في دهائها ولكن بعد حين سوف ينقلبون إلى ذئاب وحشية!.)

وزع الفلاح على الأضياف كؤوساً أخرى من الخمر فراحوا يعبون منها في نهم. . وبدأت أحاديثهم ترتفع وتخشن. وتنساب في رنتها غلظة ووحشية. . . فبعد أحاديث الملق والرياء، راحوا يتقاذفون بألفاظ السباب والشتائم، ويزمجرون في أصوات مخيفة ويلطم كل منهم الآخر على أنفه ويصفعه على وجهه واشتبك معهم كذلك الفلاح صاحب الدار. . .

فمد الشيطان الأكبر طرفه إلى ذلك، وقد بلغ منه السرور والبهجة مبلغاً عظيماً. . . وراح يردد (هذا عظيم. . . هذا عظيم!) ولكن العفريت ما لبث أن قال له (انتظر قليلاً فثمة ما هو أعظم من هذا. . . ترقبهم حتى يُفرغوا في أجوافهم دناً ثالثة. . . فينقلبوا من ذئاب وحشية تتلاطم وتتصافع، إلى خنازير لا تدرك ولا تعي. . .)

تناول الفلاحون دناً ثالثة. . . فارتفع لجاجهم وعطعطتهم وهم يلغطون كالبهائم التي لا تملك إحساساً ولا شعوراً. فأخذوا يصيحون دون أن يعرفوا سبباً لصياحهم ولا يصغي أحدهم للآخر!

وبدأ الحفل يشرف على منتهاه. . . وانطلق السكارى فرادى ومثنى وثلاث. . . تعلو صيحاتهم الحيوانية وصراخهم الوحشي في هدأة الدجى فيمزق سكونه في رهبة تبعث

<<  <  ج:
ص:  >  >>