للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخشى إلا الله عز وجل والذئب على غنمه، ولكنكم تعجلون). فخرج خباب ورفاقه من لدن الرسول يستعذبون الأذى في سبيل الله

وفزع المسلمون بدينهم إلى الحبشة، وخباب بازائهم يودعهم إلى مهاجرهم، وعيناه تفيضان من الدمع حزنا على فراق أحباء نفسه في العزاء ورفقاء قلبه في الشدة، ثم هو ما يريد أن يتحول عن مشرق النور من وجه النبي الكريم، على حين يرى فيه السلوة والعزاء؛ وقريش تشتط في عذابه، فما تنال منه أربا، ولا تبلغ منه غرضا وفي قلبه الإيمان. . .

وهاجر - فيمن هاجر - إلى المدينة ليعيش إلى جانب سيده يشهد المشاهد كلها لا يستشعر الوهن ولا يتسرب إلى نفسه الخور، ثم هو بين صحابة الرسول (ص) في المنزلة والشرف. . .

ولحق النبي الكريم بالرفيق الأعلى، فتهطلت عبرات خباب مدراراً حين أحس لذع الفراق في قرارة نفسه، غير أن الأسى ما كان ليبذر فيه غراس الوهن في دينه أو الضعف في إيمانه، فانطلق إلى غايته يبذل النفس والمال في سبيل الله، وصحابة رسول الله (ص) يعرفون له حقه ويكرمون وفادته. وإن عمر إبن الخطاب في خلافته ليراه يدخل عليه فيقول له: ادن، فما أحد أحق بهذا المجلس منك إلا عمار بن ياسر. فيأخذ خباب يريه آثاراً في ظهره مما عذبه المشركون. . .

لقد كشف عن ظهره لينشر آلام جسمه على عيني عمر، أو ليكشف عن سمات جهاده في دين الله، فإذا هو قد برص من كثرة ما ناله من أذى. . .

وانشقت العصا ومرج الأمر وراح كل حزب بما لديهم يفاخرون، وخباب بالكوفة بين صحابة علي تحبسه العلة، ويقعده السقام؛ فلا يجد القوة على نصرة علي بنفسه. . . وألح عليه المرض يدفعه إلى غاية كل حي وفي نفسه أن يتمنى الموت، من طول ما عركه المرض، لولا إنه سمع رسول الله (ص) يقول: لا ينبغي لأحد أن يتمنى الموت. . .

وعاد خباباً نفر من أصحاب رسول الله (ص) وهو في علته التي مات فيها فقالوا له: أبشر يا أبا عبد الله، إخوانك تقدم عليهم غدا. فتدفقت العبرات من عينيه وهو يقول: أما إنه ليس بي جزع، ولكن ذكرتموني أقواماً وسميتموهم لي إخواناً، وإن أولئك مضوا بأجورهم كما هي، وإني أخاف أن يكون ثواب ما تذكرون من تلك الأعمال ما أوتينا من بعدهم. هذا هو

<<  <  ج:
ص:  >  >>