للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

على تحقيقها، وبهذه الطريقة تستكمل الحياة الصحيحة الحقة. ويرى لورنس أن رغبات الجسم لا تكذب قط، فالجسم هو الذي يشعر بالجوع والعطش، وهو الذي يشعر بالفرح والحزن، وهو الذي يشعر بالحب والكره، وهو الذي يشعر بالعطف والنفور، وهو الذي يشعر بالحنو والصد وما إلى ذلك من العواطف التي مرجعها الجسم وحده، وأما العقل فلا تتعدى وظيفته تسجيل هذه العواطف والاعتراف بها

وإن حياة الجسم لتظل طبيعية حتى يتدخل فيها العقل، فيحدث الانقسام ويبدأ التفريق بين الخير والشر، وهذا أساس شقاء البشر، وهذا الانقسام هو نتيجة لرغبة العقل في تقييد الجسم والحد من حريته، فهو لا يريد أن يتركه يشعر كما يشاء أو يطلب ما يريد، ثم لا يقتصر الأمر على ذلك، بل يحاول العقل أن يملي على الجسم طائفة من العواطف ينعتها له بأنها الخير، ويحرم عليه طائفة أخرى على اعتبار أنها الشر، وبمعنى آخر يحاول العقل أن يبسط علينا سيطرته ثم يتحكم فينا بعد ذلك فيفرض علينا ما يجب أن نشعر به وما لا يجب أن نشعر به؛ ثم بعد ذلك يفرض علينا كيف نشعر بهذه العواطف التي اختارها لنا، ويستمر العقل على مسلكه هذا كلما أنس من الجسم خضوعاً وخنوعاً، حتى يأتي الوقت الذي تموت فيه كل مشاعر الجسم وعواطفه، ولا يبقى سوى هذه العواطف المصطنعة المتكلفة التي صاغها لنا العقل وخدع بها الجسم. وقد مثل لورنس شخصية الرجل الحديث في روايته المصادرة (عشيق لادي تشاترلي) تحت أسم كليفورد الذي يدعو إلى العواطف المنظمة التي يرسمها لنا العقل، ويدعو كذلك إلى استئصال العواطف الجائشة الطبيعية التي لم يتناولها العقل بالتهذيب والتشذيب

ويرمي لورنس من كتاباته سواء في ذلك رواياته الطويلة أو قصصه القصيرة، أو مسرحياته الأربع، أو كتب أسفاره، أو مجموعة أشعاره، إلى فك قيود الجسم وتخليصه من الأغلال التي أصبح يرسف فيها منذ أمد طويل. ويرى لورنس أن الوسيلة الوحيدة للوصول إلى هذه الغاية لا تكون إلا بترك الجسم يستمع إلى أحلامه، وينفذ رغباته دون أن يكون عليه من العقل رقيب أو محاسب، وبمعنى آخر يريد لورنس أن يوقظ الجسم من سباته العميق، أو يبعثه من رمسه بعد أن دفنته المدنية الحديثة ووارته التراب. ففي القصة القصيرة المسماة: (شمس)، ترى المرأة وقد استلقت عارية، لتهب نفسها للشمس، لأنه

<<  <  ج:
ص:  >  >>