شعرت برغبة جسمها في ذلك، وبذلك تتغلغل الشمس في جسمها وتشعر المرأة بالحياة قد دبت فيه، وتسير، وقد امتلأت حيوية وجمالاً. لم تسأل المرأة نفسها: لِمَ يطلب جسمها الشمس، ولِمَ رغب فيها، لأن هذه الأسئلة هي من صنع العقل وابتكاره. لم تفكر المرأة في العقل ولا في أسئلته أو منطقه، وإنما حصرت كل تفكيرها في جسمها، فعمدت إلى إعطائه ما يطلب، حتى إذا فعلت شعرت كأن ينبوع الحياة قد تفجر من جسمها من جديد، بعد أن جف ماؤه أو كاد. . . ولقد اختار لنا لورنس هذه المرأة مثالاً نحتذيه ونقلده، بعد أن رأى الناس قد أعطوا العقل أهمية لا يستحقها، ورفعوه إلى مكانة ما كان له أن يرتفع إليها. لقد أولوا أسئلته أذناً صاغية، وكان من أثر ذلك أن تحكم فيهم العقل وتسيطر عليهم، وكل ذلك على حساب الجسم، وكانت النتيجة الحتمية أن بات الناس يعيشون، وما هم بأحياء. خلق لهم العقل حالة وأجبرهم على الاستقرار فيها دون تغيير أو تبديل، وهذا أبعد ما يكون عن الحياة الصحيحة. ونحن نشاهد أثر ذلك في فشل كثير من الزيجات في عصرنا هذا، لأن حبنا في الحقيقة إنما هو وليد العقل لا دخل للجسم فيه، وأما الزواج الحقيقي فأساسه الجسم وعماده الرغبات الجنسية، ولذلك نجد أن زواج العقل الحديث مآله إلى فشل ثم إلى طلاق.
ونحن لا ننكر أن كثيراً من علماء علم النفس أمثال ولجوا باب اللاشعور قبل لورنس وحاولوا تحليله، ولكنهم اتبعوا في ذلك الطريقة العلمية التي تعتمد قبل كل شيء على العقل، وحذا حذوهم بعض الكتاب العصريين أمثال أندريه هكسلي فلم يتركوا باباً دون أن يلجوه، فكتبوا في اللاشعور، ولكن كان رائدهم في ذلك العقل والتفكير، حتى تجاربهم العلمية أعطوها صبغة عقلية محضة، ولذلك فشلوا حيث نجح لورنس لأنه لم يعتمد على غير تجاربه الخاصة التي ترجمها إلى لغة جسمانية صريحة أثارت المجتمع وأقامته ضده
حتى في خلق شخصيات رواياته، لم يستلهم سوى غرائزه وحواسه. وكان هذا سبباً في عجز كثير من الكتاب العقليين عن فهم لورنس وإدراك فلسفته، ولكنهم لم يترددوا في الاعتراف له بقصب السبق وتفوقه عليهم في مضمار العبقرية والنبوغ. فنرى لورنس الحميم أثناء حياته وعدوه اللدود بعد مماته يقول في كتابه المسمى (ذكريات عن لورنس): (إن للورنس من التجارب ما لا طاقة لنا على فهمه أو إدراكه. ولم يكن أصدقاؤه ليستطيعوا أن يجاروه أو يسيروا معه جنباً إلى جنب نظراً لأن ما يراه هو سهلاً بسيطاً يدق على إفهام