الكثيرين ويصعب فهمه). ثم يقول هكسلي في أحد كتبه عن لورنس:(إن صحبة الإنسان للورنس عبارة عن اشتراكه وإياه في مغامرة استكشافية يرى فيها الإنسان كل ما هو جديد عليه. وذلك لأن لورنس يعيش في عالم غير عالمنا، ويرى ما لا نرى، ويستخلص مما يرى ما نعجز نحن عن استخلاصه. والحياة في نظر لورنس ما هي إلا دور نقاهة طويل يشعر فيه الإنسان وكأنه قد خلق من جديد في كل يوم وفي كل لحظة. . . ولورنس يعرف كل شيء عن كل شيء، فهو يعرف الشجرة وكنهها، والزهرة وأصلها، والقمر وما يحيط به من إبهام وغموض، وفي مقدوره أن يتقمص جسم أي حيوان ثم يحدثنا بإسهاب وتطويل كيف يشعر هذا الحيوان وكيف يحس وكيف يفكر)
وهناك نقطة أخرى يحار كثير من القراء في فهمها، لأنها غير مألوفة لديهم، وهي أن شخصيات روايات لورنس سهلة الانتقال من النقيض إلى النقيض في أقصر وقت، فمن اليأس إلى الأمل، ومن الحزن إلى السرور، أو من الغضب إلى الرضا، ومن الانفعال إلى الهدوء. وهذه الظاهرة وإن كنا لا نلحظها في حياتنا العادية إلا أنها موجودة حقاً بين الشعراء والفنانين. ولما كان لورنس نفسه شاعراً فناناً فقد عمد إلى خلع بعض مواهبه على شخصيات رواياته بأن خلق فيهم هذه الحساسية المرهفة. ولورنس ليس من أولئك الذين يرون حداً فاصلاً بين الحقيقة والخيال، بل يراهما متداخلين تداخلاً تاماً، وهذا ما عنى بتصويره في رواياته نقلاً عن الحياة. ففي رواياته (سانت مور) و (قوس قزح) و (غرام النساء) لا يكاد القارئ يتبين الخط الذي يفصل بين الحلم والحقيقة ولا يسهل عليه أن يتعرف من أين تبدأ الحقيقة ومن أين يبدأ الحلم وأين ينتهي كل منهما. وهذا الرأي وإن يكن غير مألوف في روايات كتاب العصر الحالي إلا أنه موجود حقاً في الحياة، ولورنس إذ يكتب يصور لنا الحياة كما يراها هو لا كما اتفق الناس على أن تكون.
وثمة صعوبة أخرى تعترض بعض قراء لورنس وتقعدهم عن فهمه أحياناً، ألا وهي اللغة التي يستعملها في نقل فلسفته غير المألوفة لنا. فلورنس وهو يترجم تجاربه في صورة كلمات يحاول جهد طاقته أن يشرك القارئ في نفس التجربة التي مر بها هو ويشعره بها كأنها تجربته الخاصة، وطريقة إلى ذلك هو صوغها في لغة تتفق والتجربة تماماً. فهو يبذل المستحيل كي ينتقي من الكلمات ما يناسب كل إحساس جسماني، كما يحاول في