الوقت نفسه أن يتخير التعبيرات التي توافق كل فعل منعكس يصحب هذه الاحساسات الجسمانية. وقد وفق لورنس في محاولاته هذه كل التوفيق مما وضعه في مصاف كبار اللغويين وقادتهم. ولم تكن مهمة لورنس بالسهلة اليسيرة، ولكنه ما كان لييأس أو يستسلم، ولم تقف مجهوداته الجبارة عند حد إيجاد الكلمات التي تعبر أصدق التعبير عن الاحساسات الجسمانية والعواطف العميقة التي تصحبها بل عمد أيضاً إلى خلق لغة خاصة للاشعور. وهذه وإن بدت غريبة غير مألوفة لدى القارئ عند أول وهلة إلا أنه لو درست ووفيت حقها من الدراسة لوجد أنه بغيرها لا يمكن التعبير عما أراد لورنس التعبير عنه. ونقطة أخرى يجب أن نلفت نظر دارس لورنس إليها وهي تمت إلى موضوع لغته بصلة، هي أن هناك بعض كلمات يجب أن تفهم كما فهمها لورنس نفسه لا كما أجمع الناس على فهمها، ومن أمثال هذه الكلمات:(الظلام) و (الكهرباء) و (الرجل) و (المثل الأعلى) و (الغيرية) فهذه الكلمات وأمثالها استعملها لورنس وقصد منها غير ما أتفق الناس عليه ويبوء بالفشل كل من يحاول أن يستخلص من كتابات لورنس وفلسفته طريقة ثابتة للحياة على اعتبار أنها المثل الأعلى، وذلك لأن لورنس كان عدو الاستقرار اللدود، وكان يعتقد أن كل محاولة لخلق طريقة يعيش الإنسان على منوالها طول حياته هي الخطأ كل الخطأ، بل هي الموت بعينه وإنما في صيغة أخرى. فلزام على الإنسان أن يتغّير ويتلوّن حسب مقتضيات الأحوال لا أن يعيش على وتيرة واحدة. ويقول لورنس في أحد كتبه:(لا يجب أن تبقى الوصايا الدينية ثابتة دون تغيير. بل يجب أن تذبل وتذوي وتموت كما تفعل الزهور تماماً، فهي ليست أفضل منها في شيء؛ وإن مقاومة ناموس الحياة لهو الشر بعينه. فإذا أحب الإنسان الحياة حقاً وإذا كان يشعر بقدسيتها يجب أن يعترف دائماً أنها تتطلب منه اليوم غير ما تطلبت بالأمس، وأنها في الغد ستكون مختلفة عما كانت عليه اليوم، فعليه إذن أن يلبس لكل حال لبوسها وألا يقاوم رغباتها ومقتضياتها، وإلا فهو ميت حي، لأن سر الحياة هو الطاعة، طاعة الدوافع التي يشعر بها الجسم ثم العمل على تحقيقها) ويعتقد لورنس أنه ليس بين الحياة والموت وسط وما على الإنسان إلا أن يختار بينهما، وهو بكتاباته يرمي إلى إرشاد الناس كيف يعيشون عيشة هي الحياة نفسها
وبرغم أن المعجبين بلورنس وأتباع مدرسته يتزايدون يوماً بعد يوم إلا أنه لا بد أن يمضي