يوسفالجبائي، ووصوله رفيقنا أبا الحسن المواوي، فإنه كان يقول لي: ربما رحلت إلى دمشق، وتوجهت منها إلى بلدي بالأندلس، وما أرى أحداً منهم جاء دمشق، فلابد من الرحلة ثانياً وتحصيل الكتب الكبار، والمهمات من الأجزاء العوالي) فلم يمض إلا أيام يسيرة، حتى جاء إنسان من أصحابه إليه ودق عليه الباب وقال هذا أبو الحسن المواوي قد جاء فنزل أبي إليه وتلقاه، وأنزله في منزله، وقدم علينا بأربعة أسفاط مملوءة من الكتب المسموعات ففرح أبي بذلك فرحاً شديداً وشكر الله سبحانه على ما يسره له من وصول مسموعاته إليه من غير تعب وكفاه مئونة السفر. وأقبل على تلك الكتب فنسخ واستنسخ حتى أتى على مقصوده منها. وكان كلما حصل على جزء منها، كأنه حصل على ملك الدنيا.
وقضى أبو القاسم بعد عودته إلى دمشق، زهاء أربعين عاماً في الجمع والتصنيف والمطالعة، والتسميع حتى في نزهه وخلواته، ويحاسب نفسه على كل ساعة تمضي، بدون عمل حتى جمع في الحديث ما لم يجمعه غيره قال شيخه الخطيب أبو الفضل الطوسي:(ما نعرف من يستحق لقب الحافظ اليوم سواه) فانتهت إليه الرياسة في الحفظ والإتقان والمعرفة التامة بعلوم الحديث والتفقه فيه، وحسن التصنيف والتجويد، قال الحافظ عبد القادر الترهاوي (ما رأيت أحفظ من ابن عساكر، رأيت السلفي، وأبا العلاء الهمداني وأبا موسى المديني: ما رأيت فيهم مثل ابن عساكر)، وقال الحافظ أبو العلاء الهمداني:(أنا أعلم أنه لا يساجل الحافظ أبا القاسم في شأنه أحد)؛ وقال المنذري:(سالت شيخنا الحافظ أبا الحسن بن الفضل، عن أربعة تعاصروا، أيهم أحفظ؟ قال من؟ قلت: الحافظ ابن ناصر، وابن عساكر؟ فقال ابن عساكر، قلت الحافظ أبو موسى المديني وابن عساكر؟ فقال: ابن عساكر، فقلت: الحافظ أبو طاهر السلفي، وابن عساكر؟ فقال السلفي شيخنا)، قال الذهبي: يعني أنه ما أحب أن يصرح بتفضيل ابن عساكر، تأدباً مع شيخه، ثم أبو موسى أحفظ من السلفي، مع أن السلفي من نجوم الحديث وعلمائه؛ وانتهى الأمر بأن قال بعض الحفاظ الإثبات:(ما أرى ابن عساكر رأى مثل نفسه).
وقد عرف له سلطاناً عصره مكانته؛ أما نور الدين فقد بنى له دار الحديث بدمشق، ووكل إليه أمرها، وكان ابن عساكر يسمع نور الدين في مجالسه حديث رسول الله، ويضمر له في قلبه الحب والإعجاب، قال عنه في مقدمة كتاب (تاريخ دمشق) (ورقي خبر جمعي له