مواضعها ويحلى جيدها برنين الجرس الموسيقي وما يحمله ذلك وقع جميل إلى حبات القلوب.
لا بأس بعد هذا من أن أكرر القول بأن لكل مقام مقالا وليست وظيفة الكلمات في الأدب كوظيفتها في العلوم. هي في الثانية وسيلة لتفهم الأسرار العلمية فهي شيء كمالي بالنسبة للفكرة ولكنها في الأولى جزء لا يتجزأ من النص الأدبي. فالأدب يستعمل اللغة استعمالا كاملا ويستغل كل قيمتها من جمال وتأثير ومعنى، ولا يستطيع أن يسقط الألفاظ من حسابه كما يفعل العلم أحيانا، واللفظ في الأدب لا يكون مجرد تصوير للفكرة وتأدية للمعنى، فأن الرنين الذي يصحب العبارة أو الفقرة يساعد على الابتداع ويخلق في ذهن المستمع جوا لا تقل قيمته الفنية عن إفادة المعنى.
فإذا أحطنا علما بمزايا تلك اللغة الرصينة، وأيقنا أن زمامها مسلم لنا، فنعدوا بها ونكبحها كيفما شئنا وكلما دعت الحال إلى ذلك. وإذا سلمنا بوقعها في النفس وإيثار العاطفة الإنسانية لها دون غيرها فلا يكون بدعا بعد ذلك إذا ما وقفنا بها قدما وجعلنا منها نورا للهدى وينبوعا للكمال فهي التي لا يفتر لها لا أشعار ولا ينضب لها معين.