أبي العباس عبد الله بن محمد بن علي، وقد كان يسمى عبد الله الأصغر أيضاً، كما كان أخوه أبو جعفر يسمى عبد الله الأكبر. ثم ذكر الأستاذ محمود أن أبا جعفر قد لقبه أبوه بالمنصور فيما يعلم، فلا غرو أن يكون أبو العباس قد لقبه أبوه بالسفاح كما لقب أخاه بالمنصور
ولما قرأت هذا للأستاذ محمود سألته عما يعتمد عليه في إسناد تلقيب أبي جعفر وأبي العباس بالمنصور والسفاح إلى أبيهما محمد ابن علي، فلم أجد عنده ما يعتمد عليه في ذلك. وقد بحثت بنفسي لعلي أجد ما يؤيده فيه، فلم أجد إلا ما ذكره صاحب العقد الفريد، من أن محمد بن علي ولد له من امرأته الحارثية ولدان سمى كل واحد منهما عبد الله، وكنّى الأكبر أبا العباس، والأصغر أبا جعفر ولم يذكر أنه لقبهما بذينك اللقبين، بل الظاهر مما سننقله فيما يأتي عن صبح الأعشى أن أبا جعفر تلقب بالمنصور بعد انتقال الأمر إليه من أخيه أبي العباس
والرأي عندي أن أبا العباس لم يلقبه أبوه بهذا اللقب قبل أن تقوم دولتهم، ولم يلقب هو نفسه به بعد أن صار إليه الأمر، لأن مثل هذا اللقب لا يتفق مع الألقاب الإسلامية التي عرف بها الأمراء قبل أبي العباس وبعده، وإنما هو لقب لصق به لصوقاً، وأطلقه عليه الناس وكثير من المؤرخين، لوصفه نفسه به في خطبته عندما بايعه الناس، فقد ذكر الطبري أنه لما بويع صعد المنبر فقال: الحمد لله الذي اصطفى الإسلام تكرمة، وشرفه وعظمه، واختاره لنا وأيده بنا، إلى أن قال مخاطباً أهل الكوفة: وقد زدتكم في أعطياتكم مائة درهم، فاستعدوا فأنا السفاح المبيح والثائر المبير
وقديماً لقب العرب كثيراً من الشعراء بمثل ما لقب به أبو العباس، فلقبوا عائد بن محْصَن بن ثعلبة العبدي بالمُثَقِّب لقوله:
رَدَدْنَ تحية وكنَنَّ أخرى ... وثَقَّبنَ الوَصاوص للعيون
ولقبوا عمرو بن سعد بالمرَقَّش الأكبر لقوله:
الدار قَفْرٌ والرسومُ كما ... رقَّشَ في ظهر الأديم قَلَمْ
وكذلك كثير من الشعراء غيرهما
وإذن يكون لقب السفاح في أصله وصفاً بالنسبة إلى أبي العباس، كما كان في أصله وصفاً