إلا منفذ واحد من منافذ كثيرة؛ وليس هو على أية حال أوسع المنافذ ولا أصدقها ولا أقربها طريقاً.
(وبعض الناس يكبرون من قيمة هذا الذهن في هذه الأيام، بعدما فتن الناس، آثار الذهن في المخترعات والمصنوعات والكشوف، وبعض البسطاء من أهل الدين تبهره هذه الفتنة فيؤمن بها، ويحاول أن يدعم الدين بتطبيق نظرياته على قواعد المنطق الذهني، أو التجريب العلمي!
(إن هؤلاء - في اعتقادي - يرفعون الذهن إلى آفاق غير آفاقه. فالذهن الإنساني خليق بأن يدع للمجهول حصته، وأن يحسب له حسابه، لا يدعو إلى هذا مجرد القداسة الدينية. ولكن يدعو إليه اتساع الآفاق النفسية، وتفتح منافذ المعرفة. (فالمعقول) في عالم الذهن، أو (المحسوس) في تجارب العلم، ليس هو كل (المعروف) في عالم النفس. وما الفكر الإنساني - لا الذهن وحده - إلا كوة واحدة من كوى النفس الكثيرة؛ ولن يغلق إنسان على نفسه هذه المنافذ، إلا وفي نفسه ضيق، وفي قواه انحسار، لا يصلح بهما للحكم في هذه الشؤون الكبار.
(فلندع الذهن يدبر أمر الحياة اليومية الواقعة، أو يتناول من المسائل ما هو بسبب من هذه الحياة. فأما العقيدة، فهي في برجها العالي هناك، لا يرقى إليه إلا من يسلك سبيل البداهة، ويهتدي بهدي البصيرة، ويفتح حسه وقلبه لتلقي الأصداء والأضواء.
(ولقد آمن بالبداهة والبصيرة - وما زال يؤمن - العدد الأكبر من المؤمنين بكل دين وعقيدة في الوجود؛ ولقد ظل علماء الكلام في الإسلام قروناً كثيرة، يبدءون وبعيدون في الجدل الذهني حول مباحث التوحيد، فلم يبلغوا بذلك شيئاً مما بلغه المنطق القرآني في بضع سنين). . .
٣ - (لقد عمد القرآن دائماً إلى لمس البداهة، وإيقاظ الإحساس، لينفذ منهما مباشرة إلى البصيرة، ويتخطاهما إلى الوجدان. وكانت مادته هي المشاهد المحسوسة، والحوادث المنظورة؛ أو المشاهد المشخَّصة والمصائر المصوَّرة. كما كانت مادته هي الحقائق البديهية الخالدة، التي تتفتح لها البصيرة المستنيرة، وتدركها الفطرة المستقيمة)
٤ - (كانت المشكلة الأولى التي واجهها الإسلام - كما قلنا - هي مشكلة التوحيد مع