(حدثني بعض أهل العلم أن عمرو بن لحيّ خرج من مكة إلى الشام في بعض أموره فلما قدم مأرب من أرض البلقاء وبها يومئذ العماليق رآهم يعبدون الأصنام فقال لهم ما هذه الأصنام التي أراكم تعبدون؟ قالوا له هذه أصنام نعبدها نستمطرها فتمطرنا ونستنصرها فتنصرنا. وقال لهم: أفلا تعطونني منها صنماً فأسير به إلى أرض العرب فيعبدوه؟ فأعطوه صنماً يقال له هبل. فقدم به مكة فنصبه وأمر الناس بعبادته وتعظيمه. وقلده العرب في ذلك فجاءوه بأوثانهم ونصبوها حول المعبد، وبذلك تم انتصار الوثنية وعم انتشارها، حتى لقيت كل هاتيك الأوثان مصرعها حينما دخل محمد (ص) مكة على رأس جيش من المسلمين في السنة الثامنة للهجرة (= ٦٢٩م)
أما أشهر القبائل التي نسلت من إسماعيل من عدنان واستقرت في الحجاز فهي هذيل وكنافة وقريش، وينبغي أن نجعل أسم هذه القبيلة الأخيرة على الدوام نصب أعيننا، إذ نجدها قبل ظهور محمد بقرن صاحبة السيادة في مكة. وشيوخها حراس الكعبة، وتلك المرتبة قد حصلوا عليها لما تدر من ثراء عظيم. وبسبب صعودهم إلى معارج القوة أنه كان لكلاب بن مرة ولدان: هما زهرة وزيد وكان الثاني طفلاً حينما اغتصب الموت أباه، وتزوجت أمه فاطمة من رجل يدعى ربيعة فاحتملهما إلى بلاده، وشب زيد بعيداً عن وطنه الأول ومن ثم سمي (قصياً) ولما بلغ مبلغ الرجال وعرف موطنه أتى مكة حيث كانت السيادة فيها معقودة على هام بن خزاعة وتحت زعامة شيخهم حليل بن حبشية، فكانت شؤون الكعبة بعيدة عن قريش وهي من سلالة إسماعيل، ثم أن قصي بن كلاب خطب إلى حليل بنته حبى فرغب فيه حليل، وكان هدف قصي أن يخلف حليلاً في هذه المكانة الرفيعة بيد أن هذا سلم مفاتيح الكعبة ساعة وفاته إلى أحد ذوي أقربائه واسمه أبو غبشان، وكان كثير الشرب فاحتال قصي عليه وأسكره حتى باعه مفاتيحها لقاء زقة من النبيذ. ولهذا يقال في الأمثال (أظل من غبشان) ولم ترض خزاعة بهذا الأمر فامتشقت الحسام، ولكن قصياً ظهر عليها. ومن ثم غدا المهيمن على شؤون البلدة وحرمها القدسي وكانت باكورة أعماله أن جمع قريشاً وكانت قد تفرقت في سهول مكة فسمته قريش (المجتمع) وبنى دار الندوة حيث يجتمع شيوخ العشائر والقبائل فيها متبادلين الرأي والمشورة فيما يعرض أمامهم من الأمور، ولما مات قصي احتفظت قريش بهذا الإرث المقدس وظل في