فاعتماده على السياسة وبال مستطير الشر، يهدمه ويصرعه، ويمكن لعدوه أن يفترس منه حيث شاء وكيف شاء.
فلا مجاز لنا نحن العرب إلا أن نعرف أنفسنا، وأن ندرك حقيقة حياتنا؛ وأن نؤمن بأن القوي لا ينال منا بقوته بل باستسلامنا، وأنه لا يحيف علينا ببطشه بل بتهاوننا واستصغارنا لشأن أنفسنا؛ وأن أجهل الجهل أن يظن ظان أن مائة مليون من خلق الله يمكن أن يفنوا على بكرة أبيهم بسطوة ساط أو بغي باغ، وأنهم هباء لا يزن في ميزان القوة جناح بعوضة، وأنهم غنم مسيرون يهاهي بهم راع عنيف تسوقهم عصاه إلى حيث أراد. نعم لا معدي اليوم لكل عربي من أن يحس في قلبه مؤمناً بما يحس، أنه خلق لعصيان أمر الرعاة الطغاة، وأنه مأمور من عند من خلقه أن يثبت في مكانه لا يطيع عصا الراعي ولا زمجرته ولا زئيره ولا إرهابه، وأنه مكلف يحمل أمانة من لدن دبت على الأرض قدم عربية، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها من عجم ومن عرب.
فالعربي اليوم هو أعظم الناس حملاً للتكليف، لأنه يحمل وزر ما هو فيه من ضعف ينبغي أن ينفض عن نفسه آصاره، ويحمل حق أجيال مقبلة توجب عليه أن يعمل ويمهد لها في هذه الأرض، ويحمل أيضاً أمانة آباء وأجاد وأسلاف مهدوا له هذه الدنيا التي يسكنها من أطراف الهند إلى أقصى مراكش، ومن حدود تركيا إلى أقصى السودان. هذا، وهو يعيش في عالم عدو له قد قبض على زمام الكون، واستولى على عناصر القوة، ونال أسباب السماء وأطاعته نواحي الأرض. فأي تكليف أشق من التكليف الذي يحمله هذا النبيل المسكين الذي يعيش في الدنيا مشرداً مضطهداً مجهولاً مهضوم الحق مرمياً بملفقات العيوب؟
وأول ما يجب على هذا العربي منذ اليوم أن يضع بين يديه صورة أرضه التي توارثها عن آبائه بالحق الذي لا ينازعه فيه منازع إلا مستطيلاً أو مهتجماً: أرض تبلغ مساحتها مساحة قارتين من قارات الدنيا، ثم يقول لنفسه: هل يستطيع أحد أن يبيدني ويبيد أهلي وعشيرتي ويستأثر بهذه الأرض يفلحها أو يعمرها أو يقيم فيها للإنسانية حضارة أو دولة؟ وهل يستطيع أحد أن يقسرني قسراً على ما لا أريد أن أفعله مما يجب هو أن يتم له؟ وهل يستطيع أحد أن يأخذ قلبي من بين جنبي ليصرفه في هواه كما يشتهي أو يريد؟ وجواب