ذلك كله (كلا!) ولا ريب. ففيم إذن أخدم نفسي لمن لا يريد إلا إذلالي، والفت في عضدي، وأكل أرضي وما أنبتت من نبات وحيوان وإنسان؟
فهذا شأن الفرد الواحد، فما ظنك إذن بمائة مليون يكونون على قلب هذا الفرد الواحد، يداً واحدة، ورأياً واحداً، وعملاً واحداً، وإصراراً على أن لا ينازعنا أحد في حق نحن أصحابه وحماته والمكلفون بحياطته ورد العادية عنه؟ فإذا آمن العربي بهذه العقيدة التي لا مناص له عن الإيمان بها، فهل يدور في وهمك أن أحداً يجرؤ على غصب العرب على ما لا يريدون، أو حملهم على شيء يصرون إصراراً على أن لا يقبلوه؟
إن قضية العرب قضية واضحة بينة المعالم: هي إننا لا نريد إلا أن تكون بلادنا جميعاً مستقلة حرة، لا يحتل عراقها جندي واحد، ولا تخضع جزيرتها لسلطان ملوك البترول، ولا ينال نيلها من منبعه إلى مصبه سلطان بريطاني أو غير بريطاني، ولا تقع شامها ولبنانها تحت سطوة غاصب، ولا يعيث في أرجاء مغربها فرنسي خبيث القول والفعل مجنون الإرادة. وهذا كله شيء لا يملك كائن من كان أن يجبرنا على خلافه أو على الرضى به.
ونحن العرب قد أصبحنا دولاً لكل دولة منا سياسة يخشى أن تكون ناظر إلى استجلاب منفعة خاصة ببلد دون بلد، ويخشى أن تكون كلمتنا في قضية العرب لا تزال محصورة في دائرة أصحاب الأقلام دون أصحاب الحكم والسلطان، ويخشى أن تكون أعمالنا مفرقة لا تجتمع إلى نهاية واحدة في وقت واحد. وإذن فلابد منذ اليوم أن نسن لأنفسنا سياسة جديدة في كل شأن من شئون العرب، تجتمع بها كلمتنا وأهدافنا وأعمالنا حتى تبلغ الغاية جملة واحدة، ويداً واحدة وفي وقت واحد. وينبغي أن لا نرضى منذ اليوم أن تفرق قضية العرب وتجعلها قضايا ممزقة: هذه قضية مصر والسودان، وتلك قضية فلسطين، والأخرى قضية طرابلس وبرقة، والرابعة قضية تونس، والخامسة قضية الجزائر، والسادسة قضية مراكش، والسابعة قضية العراق. . . بل إن هذه القضايا كلها قضية واحدة لا تنفك منها واحدة عن أختها أبداً.
والعمل لهذه القضية الواحدة ينتظم أفراد العرب، من ملوك إلى وزراء إلى ساسة إلى أصحاب الأعمال إلى جماعات المثقفين إلى عامة الناس، ويحمل عبئها كتاب العربية لأنهم