للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الجبهة. نعم لقد قامت حرب أشد هولاً، هي حرب البلقان واتجهت الأنظار لمعارك في جبهة مقدونيا حيث تعرض ثلاثة ملايين من المسلمين الهجوم والتشتيت وتساءل الناس عن المصير.

أما مقدونيا فرثاها شوقي بقوله:

يا أخت أندلس عليك سلام ... هوت الخلافة عنك والإسلام

وأما ليبيا وبرقة فقد استحوذ عليهما الطليان ورتل قائل بشعر قديم فقال:

أحقاً خبا من جورندة نورها ... وقد كسفت بعد الشموس بدورها

وقد أظلمت أرجاؤها وتزلزلت ... منازلها ذات العلا وقصورها

ترى للأسى أعلامها وهي خشع ... ومنبرها مستبعد وسريرها

ومأمومها ساهي الحجى وإمامها ... وزائرها في مأنم ومزورها

كلا لم تدم المحنة طويلاً إذ قامت الحرب العظمى الأولى سنة ١٩١٤ ودخلت إيطاليا الحرب، فارتجت البلاد فعادت إلى الجهاد وبدأت ملحمة جديدة من تلك الملاحم الخالدة في تاريخ العروبة التي تقاتل فيها فئة صغيرة فئة كبيرة - فيأتيها النصر من عند الله.

١٨ - لقد فرحت مصر وفرحنا بمعارك درنه وعين زارة وغيرها من التي من الله بها على المجاهدين والمرابطين وذوي البأس في قتال الطليان وكان ذلك في عامي ١٩١١ - ١٩١٢. أما ايام الحرب العظمى فقد سار المجاهدون فيها من نصر إلى نصر، بل كان يوم يمر يأتي إليهم نصر جديد من عند الله، ولم تمضي ١٩١٥ إلا وقد زحزحوا الطليان عن برقة واستعادوا فزان، واقتحموا خصومهم ومعاقلهم واحد بعد الآخر، واستحوذوا على أسلحتهم وسياراتهم وأسروا كتائبهم المرتزقة من سود وحبش وغيرهم، ساقوهم بأسلحة الطليان لقتال الطليان وتلك والله مقدرة لأهل برقة وليبيا.

وتتبعوا المنهزمين وسدوا عليهم المنافذ والطرق. وفي يوم أصبحت العاصمة تحت أزير رصاصهم وغدا الساحل تحت سيطرتهم فأتتهم المؤن والذخائر من حيث شاءوا.

فهل رأيت دفعة كهذه الدفعة أو قوة من المستضعفين يملأها الإيمان والثقة في النفس والدعوة إلى الحق والقتال في سبيل الله عملت في القرن العشرين عملا يشبه هذا؟ إنها وأيم الله وقفة رائعة.

<<  <  ج:
ص:  >  >>