١٩ - وانتهت الحرب العظمى الأولى ١٩١٨ وتدخل الإنجليز بين الطليان وأهالي البلاد فاعترفوا بنظام ليبيا ومسراطه وأقروا أمارة برقة ووقعوا المعاهدتين وضمنوا استقلال الداخل وخيل للناس أن عهداً من الطمأنينة والأمن قد أشرق.
وفي يوم من الأيام إذ موسوليني يضرب بمواثيق إيطاليا وضماناتها عرض الحائط وحنث بالإيمان المأخوذة وآثار حرباً ضروساً مهلكة يحاول بأساليبها إبادة شعب بأسره. كانت تعليماته وأوامره وقراراته واضحة لا شبة فيها فليراجعها من يشاء يجدها في كتبهم وما نشره قوادهم.
وكان كبش الفداء شعب ليبيا.
٢٠ - قابل هذا الشعب، صدمة الخيانة بشجاعة نادرة. رأى الحرب تفرض عليه في دياره، فواجهها كما يواجهها كل مقاتل كريم كتبت عليه التضحية فقدم بنيه وأحفاده. ضيق عليه الخناق بحصار من البر والبحر، فتحمل وصبر. أوذي في حريته ومعاشه وماله ودكت بيوته، ولكن لم ينزل على حكم ظالميه، ولا تراجع عن مبدأ من مبادئه.
واتبعت إيطاليا سياسية العنف والتشريد، فلم ترع شيخاً ولا مقعداً ولا طفلاً ولا رضيعاً وخربت المنازل وأفنت قبائل وحولت بقاعاً عامرة فجعلتها صعيداً جزراً.
٢١ - هذا هو الشعب الأبي الكريم الذي حررته الديمقراطية في الحرب الأخيرة واتخذت من اسمه عنواناً ومثلاً لتحرير الشعوب المظلومة المغلوبة على أمرها. والذي جمعت من أفراده ورجاله المتطوعة، وحاربت بهم، وقالت للعالم هاأنذا قد أرجعت الحق لأهله، وأنقذت أول شعب وقع العدوان عليه وأزلت أثر الظلم والطغيان عن عاتقيه.
وترقب أهل البلاد نعمة الخلاص، وباتوا يعللون الآمال، فماذا يراد بهم اليوم؟ إننا لنسمع الكثير من اللغط. فمن قائل بعودة هذه الأرض البائسة إلى سادتها الطليان، وآخر يقول بانتداب الغير عليهم كأن هذه البلاد خلو من السكان!
٢٢ - أنه ليهمنا نحن معاشر الأمم العربية، شأن برقة وليبيا، ويهمنا شعب هذه البلاد. لماذا؟ لأننا منه وهو منا. إنها لصلات الدم والقربى والثقافة والتاريخ الحي، لا التاريخ المتحجر الجامد، ثم ما يوجبه هذا التاريخ المشترك من ذكريات الجهاد والنصر والهزيمة.
إننا نعبر عن رأيه ونقول، هذا الشعب لا يريد شيئاً مستغرباً أو فوق متناول الإنسان، وأنه