يتحمل مثل ذلك منهم، إرضاء لمن حسن إسلامه من قومهم، واحتقاراً لأمر أولئك المنافقين، لأنهم كانوا يقولون ما لا يفعلون، وقد قال عمر لنبي صلى الله عليه وسلم حين سمع ذلك من زيد بن أرقم: دعني يا رسول الله اضرب عنق هذا المنافق. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: دعه لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه
ثم أرسل إلى عبد الله وأصحابه ليسألهم عن تلك المؤامرة التي اخبره بها زيد بن أرقم، لأنه لم يجد بعد إصراره على شهادته إلا أن يمضي في تحقيق ما نسبه إليهم، حتى تأخذ قضيته حظها من التحقيق، ولا يهمل أمرها، فيطمعهم ذلك في المضي في مؤامرتهم
فلما حضروا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أخذهم ضعف النفاق، فأنكروا ما نسبه إليهم زيد ابن ارقم، وحلفوا ما قالوا شيئا مما نسبه إليهم زيد بن أرقم، فصدقهم النبي صلى الله عليه وسلم وهو يعلم حقيقة أمرهم، وكذب زيد بن أرقم وهو يعلم صدقه وإخلاصه ولكن المصلحة العامة قضت بأن يكتفي منهم بذلك، فأهملت قضيتهم خوفاً من أحداث الفرقة بين المسلمين. وما كان للنبي أن يؤثر أمرا من الأمور على أمر الوحدة بينهم، وقد كان عبد الله في قومه شريفاً عظيماً، فلما حلف بالله ما قال شيئاً مما نسبه إليه زيد بن أرقم، قال من كان بالمجلس من الأنصار: يا رسول الله، عسى أن يكون الغلام قد اوهم في حديثه، ولم يحفظ ما قال الرجل. فاظهروا بذلك حدباً على عبد الله، وعطفاً عليه ودفعاً عنه، وإهمال هذه القضية بهذا الشكل هو ما يسمى حفظ القضية في القضاء الحديث.
ثم بادر النبي صلى الله عليه وسلم فأذن بالرحيل في ساعة لم يكن يرتحل فيها، فلما ارتحل لقيه أسيد بن حضير فحياه بتحية النبوة وسلم عليه، ثم قال: يا نبي الله، والله لقد رحت في ساعة مبكرة ما كنت تروح في مثلها، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أو ما بلغك ما قال صاحبكم؟ قال: وأي صاحب يا رسول الله؟ قال: عبد الله بن أبي. قال: وما قال؟
قال: زعم أنه أن رجع إلى المدينة أخرج الأعز منها الأذل. قال فأنت يا رسول الله والله تخرجه منها أن شئت، هو والله الذليل وأنت العزيز. ثم قال: يا رسول الله ارفق به، فوالله قد جاءنا الله بك وأن قومه لينظمون له الخرز ليتوجوه، فإنه ليرى أنك قد استلبته ملكاً
وإن في هذا لدليلاً على أن النبي صلى الله عليه وسلم قد اهمل هذه القضية وهو يعلم صحة تلك المؤامرة، ولكن زيد بن أرقم أصابه من ذلك هم لم يصب مثله قط، فجلس في بيته لا