للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

يظهر لاحد، ومكث مختفيا عن الناس حتى أنزل الله في شأنه - إذا جاءك المنافقون - الآيات إلى قوله (هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا ولله خزائن السماوات والأرض ولكن المنافقين لا يفقهون، يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون)

فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى زيد بن أرقم فقراها عليه، ثم قال له: أن الله قد صدقك. ولكن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشأ بعد هذا أن يثير تلك القضية، وآثر أن يمضي في إهمالها. وقد قالوا أن في مثل هذه القصة من الفوائد ترك مؤاخذة كبراء القوم بالهفوات لئلا ينفر اتباعهم، والاقتصار على معاتبتهم وقبول أعذارهم وتصديق إيمانهم وأن كانت القرائن ترشد إلى خلاف ذلك الإنسان لما في ذلك من التأنيس والتأليف

وأني أرى أن ما حصل من أولئك المنافقين لا عقاب عليه في الدنيا، لأنهم تآمروا على شيء وبلغ عنهم قبل أن يشرعوا فيه، ولا مؤاخذة على مثل هذا في كثير من الشرائع القديمة والحديثة، وإنما تؤاخذ الشرائع بعد المضي في الفعل، واقتراف الجرم، رافة بالناس ورحمة بهم، وجمعا بين الشدة واللين، والعقاب والعفو، لأن أمر الناس لا يصلح الشدة الخالصة كما لا يصلح باللين الخالص، وفي أخذهم بالعزم على الجرم قبل اقترافه قسوة يأباها العقل، وقد عفا الله عن الهم بالسيئة، وجعل لمن هم بها ولم يفعلها حسنة.

عبد المتعال الصعيدي

<<  <  ج:
ص:  >  >>