فمن هذه النصوص ما رواه أحمد بإسناد حسن عن عثمان ابن أبي العاص قال: كنت جالساً عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ شخص ببصره ثم صوبه ثم قال: أتاني جبريل فأمرني أن أضع هذه الآية هذا الموضع من هذه السورة (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى) إلى آخرها. فهذا الحديث صريح في أن جبريل علمه موضع هذه الآية من سورتها وكذلك كان دأبه في كل آية.
ومنها ما أخرجه البخاري عن ابن الزبير قال: قلت لعثمان ابن عفان (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً) نسختها الآية الأخرى فلن تكتبها أو تدعها. قال: يا ابن أخي لا أغير شيئاً من مكانه. فهذا الحديث صريح في أن إثباتها في مكانها من سورتها توقيفي، وأن عثمان وجدها مكتوبة في المصحف المنقول مما كتب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يغيرها من مكانها لأن هذا أمر لا مجال فيه للرأي. ومنها ما رواه مسلم عن عمر قال: بإصبعه في صدري وقال: تكفيك آية الصيف التي في آخر سورة النساء. فهذا الحديث يدل على أن آيات السور كانت مرتبة معلومة الترتيب في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان معلوماً ما هو مقدم منها وما هو مؤخر؛ ولذلك قال النبي لعمر: تكفيك آية الصيف التي في آخر سورة النساء فعين موضعها من السورة. وتلك الآية هي قوله تعالى:(يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة. . . الخ) ويدل على أن ترتيب الآيات توقيفي أيضاً ما ثبت في السنن الصحيحة من قراءته عليه السلام لسور عديدة كسورة البقرة وآل عمران والنساء، وما ورد في البخاري من قراءته سورة الأعراف في صلاة المغرب. وروى النسائي أنه قرأ سورة قد أفلح المؤمنون في صلاة الصبح. وقد كان عليه السلام يقرأ هذه الصور مرتبة الآيات بمشهد من الصحابة فتلقوا عنه ترتيب الآيات. وما كان الصحابة ليرتبوا القرآن ترتيباً مخالفاً لترتيب الرسول وهم أحرص الناس على أتباعه. فثبت بهذه النصوص أن ترتيب الآيات توقيفي لا مجال فيه للرأي وعلى ذلك انعقد الإجماع، فليس لأحد أن يغير في ترتيب الآيات فيقدم بعضها على بعض فإن ذلك بدعة ضالة لا يجوز الإقدام عليها.
أما ترتيب السور وتقديم الطوال منها، تم تعقيبها بالمئين، ثم بالمثاني، ثم بالمفصل، فهذا هو الذي وقع فيه الخلاف بين العلماء؛ وأشهر مذاهبهم في ذلك ثلاثة: