الأول: أن ترتيبها كان باجتهاد من الصحابة. وقد مال إلى هذا الرأي الإمام مالك بن أنس إمام دار الهجرة، والقاضي أبو بكر في أحد قوليه.
الثاني: أن ترتيبها كان توقيفاً من رسول الله صلى الله علية وسلم ما عدا الأنفال وبراءة، فإن وضعهما في موضعهما كان باجتهاد عثمان رضي الله عنه ووافقه عليه الصحابة. ومن ذهب إلى ذلك البيهقي المحدث المشهور في كتاب المدخل، والسيوطي في كتاب الإتقان.
الثالث: أن اتساق السور كاتساق الآيات والحروف كان بتعليم النبي عليه السلام. وقد ذهب إلى ذلك جمع كبير من العلماء منهم أبو بكر بن الأنباري، والكرماني، والطيبي، وأبو جعفر النحاس وآخرون غيرهم. . .
استدل القائلون بأن ترتيبها كان باجتهاد الصحابة بأن مصاحف السلف من الصحابة كانت مختلفة في ترتيبها؛ فمنها ما رتبت فيه السور على حسب نزولها فجعل أوله سورة اقرأ، ثم المدثر، ثم نون، ثم المزمل. وهكذا إلى آخر السور المكية، ثم السور المدنية على حسب نزولها كالمصحف الذي نسبوه إلى علي رضي الله عنه. ومنها ما رُتِّب على خلاف ذلك كمصحف ابن مسعود الذي جعل أوله البقرة ثم النساء ثم آل عمران، وكمصحف أبي بن كعب. ولو كان ترتيب السور توقيفاً لما كان بينها اختلاف في ذلك.
وهذا الاستدلال ضعيف من وجهين: الأول. أنه قد ورد في الأحاديث الصحيحة ما يدل على أن ترتيب بعض السور كان معلوماً في حياة النبي. الثاني: أن زيد بن ثابت الذي أسند إليه عثمان رياسة الجمع الذين رتبوا مصاحفه ونسخوها قد شهد العرضة الأخيرة للقرآن، وعلم ترتيب السور من رسول الله صلى الله عليه وسلم. وليس من المعقول أن يحدث من عنده ترتيباً للسور غير ما علمه من رسول الله لأن ذلك لم يكن من عادتهم، فلا بد أن يكون ترتيبه للسور هو عين ما سمعه من رسول الله، ولذلك لم يرتض المحققون هذا الرأي.
واستدل أصحاب المذهب الثاني على أن ترتيب السور ما عدا الأنفال وبراءة كان توقيفاً بما رواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن حيان والحاكم عن ابن عباس قال: قلت لعثمان ما حملكم على أن عمدتم إلى الأنفال وهي من المثاني، وإلى براءة وهي من المئين فقرنتم بينهما، ولم تكتبوا بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم، ووضعتموها في السبع