للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الطوال؟ فقال عثمان كان رسول الله تنزل عليه السور ذوات العدد، فكان إذا نزل عليه الشيء دعا بعض من كان يكتب فيقول: (ضعوا هؤلاء الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا) وكانت الأنفال من أوائل ما نزل بالمدينة، وكانت براءة من أواخر القرآن نزولاً، وكانت قصتها شبيهة بقصتها فظننت أنها منها فقبض رسول الله ولم يُبَيّن أنها منها، فمن أجل ذلك قرنت بينهما ولم أكتب بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم ووضعتهما في السبع الطوال. فهذا الحديث صريح في أنه وضع الأنفال وبراءة في موضعهما من المصحف كان باجتهاد عثمان، لأنه نسب وضعهما إلى نفسه ولم يسنده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم - وأما ما عداهما من بقية السور فلا بد أن يكون عثمان قد أتبع فيه ما علم من الرسول صلوات الله عليه.

وقد نازعهم أصحاب المذهب الثالث في الاستدلال بهذا الحديث. أما من جهة سنده فقد قالوا إن الترمذي - وهو أحد رواته قال فيه إنه أحسن غريب لا نعرفه إلا من حديث عوف عن يزيد الفارسي عن ابن عباس: ١هـ: والجزء الحادي عشر من تهذيب التهذيب لابن حجر يقول: إن المحدثين اختلفوا في يزيد هذا هل هو يزيد بن هرمز المشهور بأنه ثقة أو هو غيره؟ ثم قال والصحيح أنه غيره. وقد قال علي بن المديني: ذكرت ليحيى بن سعيد قول ابن مهدي إن يزيد الفارسي هو ابن هرمز فلم يعرفه. وكفى بذلك دليلاً على جهالة حاله. وقال أبو حاتم فيه لا بأس به أقول؛ ومثل هذا الرجل الذي لم يعرف حاله لا يصح الاعتماد على حديثه الذي انفرد به في ترتيب القرآن.

وأما من جهة متنه، فإن التمسك به يثير غبار إشكالات نحن في غنى عنها، لأنه يدل على أن آخر الأنفال لم يكن معلوماً بيقين؛ وكذلك أول براءة، بدليل أن عثمان ظن أن براءة من الأنفال، ولذلك لم يضع بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم. وهذا يفتح باباً واسعة لشبهة فرقة جوزت الزيادة والنقصان في القرآن، وذلك باطل باتفاق السلف والخلف. ويبعد جدًّاً إلا يبين الرسول آخر الأنفال وأول براءة. ويضعف التمسك به زيادة عما سبق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عارض جبريل بالقرآن في آخر سنة من حياته مرتين، فأين كان يضع هاتين السورتين في قراءته؟ فالتحقيق إذاً أن وضعهما في موضعهما توقيفي وإن فات ذلك عثمان أو نسيه؛ وإن بسم الله الرحمن الرحيم لم تكتب في أول براءة، لأنها لم تنزل

<<  <  ج:
ص:  >  >>