وهذا عمر يرث عن رسوله حسن التدبير وعمق التفكير وصواب النظر وأصالة الرأي، حتى ليقول فيه المصطفى:(إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه). وحتى يستطيع عمر إبان خلافته أن يسوس دولة ما ساسها قيصر من قبل أو شاه، وأن يجتهد في أمور الدين والدنيا، فيهديه ربه إلى فض مشكلات وحل معضلات ما كان يقتدر عليها لولا أنه تخرج من مدرسة النبوة التي تفيض بالهدى والرشاد. . .
وهذا عثمان يرث عن رسوله رقة الطباع ودماثة الأخلاق وشدة الحياء، حتى يستحي من نفسه وهو منفرد متجرد لاغتساله، وحتى يقول فيه الرسول:(أصدق أمتي حياء عثمان). وإنه ليدخل على الرسول فيستحي الرسول منه، فتسأله عائشة عن سبب ذلك، فيقول:(ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة)؟
وهذا علي يرث عن رسوله زهده وتقشفه، حتى تهون في نظره أعراض الحياة وأغراض العيش ولذائذ الدنيا، فيصرخ في وجه الدنيا قائلا:(يا دنيا غري غيري، إلي تعرضت أم إلي تشوقت؟ هيهات، قد طلقتك ثلاثا لا رجعة فيهن. آه من طول الطريق، وقلة الزاد ووحشة السفر)
وهناك ناحية أخرى. . . إن القائد يجب ألا ينفرد بالسلطان والمجد، وألا يستأثر بالرأي يستحوذ عليه، أو الثناء يستبد به. وكم من أناس هيأت لهم الأقدار أن يبلغوا مناصب القيادة والرياسة، فخيل إليهم أنهم قد صاروا في الكون آلهة، وما من إله إلا إله واحد، فلا يقضى أمر إلا بكلمتهم، ولا يوجه مدح إلا إلى ذاتهم، ولا يسبح مسبح إلا بحمدهم وشكرانهم، وإن قلوبهم الحاقدة الحاسدة لتتميز من الغيظ وتتقطع من الغل إذا رأوا شخصا غيرهم فعل مكرمة أو استحق تمجيدا، أو بدأ نجمه في الظهور والسطوع. وإنهم ليبذلون كل شيء لكي يقضوا على كل نابغ أو ناهض، ليضمنوا البقاء لأنفسهم، وليرضوا شهوة الأنانية المتعمقة في جذور طباعهم. وأف لزمان تفنى الجماعة فيه ليعيش القائد، وتذل الأمة ليعز فرد على أنقاض أبنائها!.
وعلى العكس من ذلك كان رسول الإسلام عليه الصلاة والسلام. لقد بعث محمد عظمته في صحابته، وشاركهم فيما منحه الله من صفات وبركات، فحفظ للصغير حقه قبل الكبير،